TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بديل المالكي "ليس بشراً"

بديل المالكي "ليس بشراً"

نشر في: 9 يوليو, 2013: 10:01 م

مجلس النواب يواجه لحظة مهمة في تاريخه التشريعي. وهناك مسار تشريعات سيرسم ملامح التقاليد السياسية في بلادنا لسنوات طوال مقبلة، واذا نجح الأمر فان عدة نتائج مهمة ستكون في أيدي المتمسكين بتحصين النظام في العراق ضد الاستبداد. وسنبدو أمام الأصدقاء كطرف يمكن الوثوق به، كما سنثبت للخصوم ان العراق قادر على التعلم، وأنه مرشح لامتلاك مؤسسة سياسية بمعايير الحداثة والتعددية المتماسكة.والنتائج هذه ستكون أمام فرصة لتشتغل بوضوح بقدر ما استوعبتها النخبة ومراكز القوى والمجتمع المدني وفعاليات الاحتجاج والناشطون، واذا سارت القضايا بشكل حسن فاننا سنغادر النقاش العقيم حول الاشخاص والسؤال حول من سيكون بديلا لمن، كي نتفرغ لتأمل "هندسة رقعة الشطرنج" بوصفها مؤسسة وتقاليد ضامنة.
البرلمان مشغول منذ شهور بحزمة الاصلاحات التشريعية، وقد مرر منذ بضعة اسابيع تعديل صلاحيات مجالس المحافظات الذي تراجع المالكي عن الطعن فيه بعد ان ادرك سعة دائرة التأييد. وقد دخلنا الآن مرحلة جديدة هي وضع قانون لمجلس الاتحاد وهو نموذج لمجلس الشيوخ الأميركي ينبغي ان يحظى بقدر كبير من الاهتمام، لأننا سنحظى بكونغرس متكامل من غرفتين او مجلسين، الاول هو مجلس النواب الحالي الذي يجري فيه تمثيل كل محافظة بعدد سكانها، بحيث تكون فيه أغلبية للطوائف والمناطق والقوميات، اما المجلس الثاني الجديد فهو مجلس الاتحاد وسيكون على شكل برلمان بلا اغلبية، على غرار مجلس الشيوخ الاميركي، الذي يجري تمثيل كل ولاية داخله بعضوين بغض النظر عن عدد سكانها. وفي العراق سيكون لكل محافظة ٤ اعضاء داخل مجلس الاتحاد بغض النظر عن عدد سكانها وهويتهم، وذلك لحماية المحافظات الأقل سكانا والأقل تمثيلا، وبالتالي المكونات الأقل عددا، وهكذا فان البصرة ونينوى ستتساويان مع السماوة ودهوك في عدد الاعضاء داخل "البرلمان الموازي"، وسيمتلك المجلس الجديد سلطة رقابة ومحاكمة وتفاوض على التشريعات والمناصب الحساسة.
واذا انجز البرلمان قانون القضاء والاتحادية ومجلس الاتحاد وقانون الخدمة المدنية، فسيكون أمام مهمة إعادة تعريف شرعية الجيش ووقف سياسة تعيين كبار الضباط بالوكالة ليطبق معهم الدستور الذي يجعل شرعيتهم نابعة من تصويت نيابي لا من مكتب السلطان، وهكذا فاننا سنمتلك مجموعة ضمانات جديدة لم تكن موجودة لحظة انسحاب اميركا، وهي ضمانات تجعلنا نقترب من النموذج الحديث المطبق في الديمقراطيات المستقرة والذي يضمن قواعد عمل المؤسسة ثم لا يخشى كثيرا من الشخص الذي يجلس على كرسي التنفيذ. اذ يكون النظام السياسي حينها قادرا على تصليح نفسه، لأنه يمتلك مؤسسات بدور واضح تضمن تمثيل مختلف الاتجاهات الاجتماعية ومصالحها.
ولهذا فان ائتلاف فريق السلطة الهائم برجل مطلق الصلاحيات، هو الغاضب الوحيد من حزمة التشريعات الجديدة التي تمثل تنفيذا متأخرا ٤ اعوام، لاتفاقية اربيل بوصفها خطة مراجعة شاملة ضربها المالكي عرض الحائط، ونجح محور اربيل والنجف في إعادة الحياة إليها على نحو يثير الأمل، وفي توقيتات تزامنت مع شرعية انتخابية في الاقتراع الأخير، حين صوت الجمهور بغالبية واضحة للفريق الداعي لمراجعة قواعد اللعبة والرافض لظهور صيغة التفرد.والنظام حين يقوم بتطوير نفسه فإنه لن يحمي الشرعية في الداخل وحسب، بل سيسترعي انتباه الخارج ايضا، على مستوى الخصوم والاصدقاء.
الاصدقاء سيعيدون بناء ثقة بالتجربة العراقية وسيتشجعون على توفير الحماية لها وسيشعرون ان الاحزاب من كل الاتجاهات ووسط موت طائفي اقليمي رهيب، نجحوا في تصحيح نظامهم السياسي وتقريبه من معايير الحداثة. وهذا يعني اننا نقوم بتهيئة انفسنا للتحول الى طرف يمكن الوثوق به في نادي المصالح الدولية.
اما الخصوم فقد بدأوا يدركون ان العراقيين الذين لم تتح لهم بعد سيادة مكتملة ولا قوة ردع ولاهم يحزنون، استثمروا ظروفا عديدة في التعلم، وفي الواقع فقد تعلمنا ببطء وبتضحيات دامية ونزيف للفرص، وها نحن في النهاية أمام فرصة كبيرة ستجعلنا نموذجا متميزا في الشرق الأوسط، ينجح داخل كل ارتباكاته وأخطائه الحمقاء، في صياغة مؤسسة سياسية صحيحة.
ان هذا الذي يحصل منذ عام واحد فقط، هو البديل الشرعي للمالكي. ان بديل حاكم لا نرضى عنه لن يكون بشرا، بل نظاما صالحا للعمل في اللحظات الصعبة. راقبوا تشريعات البرلمان منذ صيف ٢٠١٢ حتى نهاية ولايته بعد شهور، فهي الأخطر منذ كتابة دستور العراق. وهي اساس لمستقبل نضال التيار التعددي المدني.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. آريين آمد

    كلما تعلم العراقيون اصول اللعبة الديمقراطية كلما اقتربنا اكثر من روح العصر وابتعدنا عن الوسائل العنفية في حل خلافاتنا.... يستطيع البرلمان ان ينجز الكثير مستفيدا من تجربته السابقة.... فعلا لا نحتاج لبديل بشري لحاكم لم نرضى عنه بل لنظام يضمن حقوقنا ومؤسسات

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram