اطلق عليه فران ليبويتز " سكوت فيتزجيرالد الحقيقي " ، و قال عنه أرنست همنغواي " انه رجل يعرف بالضبط ما يكتب عنه، و ان كتاباته رائعة ". لكن اليوم و عند ذكر جون اوهارا – بعد مرور 43 سنة على وفاته في سن الخامسة و الستين – فيمكن ان نرسم له صور
اطلق عليه فران ليبويتز " سكوت فيتزجيرالد الحقيقي " ، و قال عنه أرنست همنغواي " انه رجل يعرف بالضبط ما يكتب عنه، و ان كتاباته رائعة ". لكن اليوم و عند ذكر جون اوهارا – بعد مرور 43 سنة على وفاته في سن الخامسة و الستين – فيمكن ان نرسم له صورة بيضاء مثل كتاب لم يكتب . لماذا ؟ ربما انها مسألة تتعلق بشخصيته : اوهارا – حسب ما يقال عنه – من الصعب التواصل معه ، كان وصوليا ، متنمرا ، سكيرا فاسدا .
ماذا يحدث عندما تموت ؟ هل إن الموت وهم ؟ نظرية علمية جديدة تقول ان الموت غير موجود . كتب ايضا ثلاث من افضل روايات الثلاثينات – موعد في سامراء " ، " بوترفيلد 8 " ، و الرواية التي لم يعترف بها كثيرا " أمل السماء " – إضافة الى عشرات القصص القصيرة التي هي نماذج من نفس الطراز .
في أفضل حالاته، كان اوهارا مراقبا اجتماعيا حادا مثل سكوت فيتزجيرالد ، و مصمما مقتصدا مثل ارنست همنغواي، في ابتكاره لمدينة جبسفيل في غرب بنسلفانيا – على غرار مسقط رأسه بوتسفيل – فقد اخترع نوعا من التنوع الصغير على غرار " مقاطعة يوكناباتاوفا " لفوكنر، منظر طبيعي خيالي محدد و واسع بما يكفي ليحوي امتدادا كاملا لمخاوفه الأدبية . اما ماهية هذه المخاوف ، فان رواية اوهارا " موعد في سامراء " تقدم شيئا تمهيديا ، قصة النجاح الاجتماعي و الفشل الاجتماعي موجودة في صورة مصغرة . نشرت الرواية أصلا عام 1934 ، و أعيد إصدارها ( على شكل كتاب إضافة الى الإصدار الرقمي ) كأول رواية في سلسلة إعادة طبعات اوهارا لمطبعة بنجوين ؛ و ستتبعها لاحقا خلال العام الحالي رواية " بوترفيلد 8 " و مجموعة من قصص الكاتب.
عنوان الرواية مأخوذ من حكاية خرافية عن رجل يهرب – بعد تفشي الموت المفاجئ في أحد أسواق بغداد – الى سامراء ليواجه موعدا مع الموت هناك . المفارقة و الحتمية في ذلك التفاعل تحلل رواية اوهارا التي تتكشف على مدى يومين خلال أعياد الميلاد لعام 1930 و يندرج فيها احد أفراد مجتمع جبسفيل المدعو جوليان انكليش ؛ رجل سيطرت عليه دوامة الكحول و السلوك السيئ فيخسر كل ما هو عزيز على قلبه . يكتب اوهارا عن جوليان في أواخر الرواية قائلا " لم يكن يريد العودة لينفصل مرة اخرى عن كارولين ، لم يكن يريد العودة الى اي شيء . لم يكن يعرف ما يريد . في سن الثلاثين .. احتسى كأسا.. و أتبعه بكأس ثان ثم نهض و خلع سترته و صدريته و ربطة عنقه ".
تكمن عبقرية الكتاب في تقديم هذه التفاصيل الصغيرة، و في الطريقة التي يتكشف بها جوليان، سلسلة من القرارات السيئة التي لا تترك له مكانا يضع فيه هذه التفاصيل.
يتابع اوهارا ديناميكية مجتمع انعزالي في بنسلفانيا ، في أية طبقة ( أو عرق أو ديانة ) تكمن المحددات الأساسية للحياة اليومية . بعد ان يرشق جوليان كأس الشراب بوجه هاري ريلي، الثري الكاثوليكي الايرلندي ، يبدأ عمله – إدارة معرض لسيارات الكاديلاك – بالتراجع .
يدرك اوهارا كل ذلك ؛ مأساة تفكك جوليان، و عبء المال و الطبقة ، لكن الأهم من ذلك انه يدرك خسارة حياة بلا هدف ، خسارة شخصية تمتلك كل شيء و لا تعرف او تقدّر ما يصبو اليه .
ليس من الصحيح ان نطلق على " موعد في سامراء " بانها قصة حب ، برغم ان هناك حبا عظيما في وسطها – حب جوليان لزوجته كارولين و حبها له – او بالأحرى ، حب عظيم يتجه اتجاها خاطئا . ان ما يقصده اوهارا هنا هو ان الحب لا يكون كافيا بالضرورة ، حتى حب عظيم مثل الحب الذي يوضحه في مقطع قصير كتبه من وجهة نظر كارولين .
ما بقي من الكتاب هو سرد بصيغة الشخص الثالث . مع ذلك، فمن خلال وضعنا مباشرة في عقل كارولين ، فان اوهارا يفتتح الرواية بأسلوب غير متوقع . تتذكر كارولين " أحبك ؟ نعم احبك . كما لو انك تقول أعاني من السرطان " . ثم بعدها " أتمنى موتك .. أتمنى موتك لأنك قتلت شيئا جميلا في داخلي ". هنا ، و في جملتين موجزتين، يقطع اوهارا علاقتهما ، يأس الحب الذي لا يستطيع ان يغذي نفسه ، و لكن ايضا لا يستطيع ان يدعها تذهب .
مع هذا، ان كان ذلك يعني ان هناك القليل من الفداء في " موعد في سامراء " ، فان رواية اوهارا تقدم ايضا شيئا اكثر حرقة : صورة غير متعاطفة لشخص نفدت منه الفرص، لأن كل ثروته و امتيازاته لم تترك له شيئا سوى فراغ القلب .