من المفترض أن تكون الاحزاب والحركات الاسلامية جميعاً عاكفة الآن على دراسة التجربة المصرية لاستخلاص الدروس والعبر منها، فمن غير المعقول ألاّ تكترث هذه الاحزاب والحركات بالدلالات العميقة لفقدان أول وأكبر حزب إسلامي في العصر الحديث السلطة بعد سنة واحدة فقط من توليها، وهو فقدان تمّ على أيدي ملايين من الجماهير التي سعى هذا الحزب طويلاً للنطق باسمها، نزلت إلى الشوارع والساحات في حركة فريدة في نوعها للمطالبة بانهاء حكم الإخوان المسلمين.
بين دروس عدة، أول وأهم درس للتجربة المصرية ان الحزب الإسلامي ليس معصوماً وغير محصن من الخطأ والمعصية، ولا يمتلك تفويضاً من السماء بإدارة شؤون البلاد والعباد على وفق ما يريد شيوخه ومرشدوه وزعماؤه، وهو بالتالي لا يتمتع بأي حرمة أو قدسية ربانية، ولا تجعله لحى الشيوخ والمرشدين والزعماء الطويلة ودشاديشهم القصيرة وجباههم الموشومة قريباً من الله. بل قد يكون الحزب الاسلامي أبعد الناس عن الله. فالله لم ينصر الإخوان المسلمين للإبقاء على رئيسهم وحكومتهم على رأس السلطة في مصر. انه، كما نرى، اختار أن يقف الى جانب معارضيهم الذين ملأوا ساحات المدن المصرية وشوارعها واستجاب لدعوتهم الملحّة ولبّى نداءهم الهادر بدفع الجيش لأن ينحاز اليهم ويتخذ التدابير التي حققت للناس ما أرادوا بانهاء حكم المرشد الاخواني ورحيل الرئيس الاخواني.
وليست التجربة المصرية هي الاولى في الخذلان الرباني للحزب الاسلامي، ففي افغانستان فضّل الله ان يلتزم جانب الأميركيين وكرزاي ضد حركة طاليبان وتنظيم القاعدة الاسلاميين. وفي الجزائر لم ينصر الله الاسلاميين بل دعم موقف العلمانييين. وفي الصومال نصر قوات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي على الميليشيات الاسلامية. وفي العراق يواجه الاسلاميون، شيعة وسنة، للسنة الحادية عشرة على التوالي وضعاً لا يُحسدون عليه بانفلات وتفاقم الصراع المتوحش بين أحزابهم وزعمائهم وبالكشف عن فضائحهم وفظائعهم. وفي تركيا انتصر الله مرتين لمتظاهري ساحة تقسيم وحديقة غازي ضد رجب طيب اردوغان وحزبه الاسلامي، مرة بفشل اجراءات القمع في وقف الاحتجاجات الشعبية المتواصلة حتى اليوم، وثانية بصدور حكم قضائي يؤيد موقف المحتجين. وقبل هذا كله لم يتخذ الله أي موقف يدعم حكم الجمهورية الاسلامية وولاية الفقيه في ايران أو يعزز نظام الجبهة الاسلامية في السودان، فحال الفقر والإملاق في هذين البلدين فاحشي الثراء لا تسرّ حتى العدو.
وبالمختصر فان التجربة المصرية تأخذ هي الأخرى الكثير من الرصيد الإلهي المزيف للاحزاب والحركات الاسلامية .. انها بكل بساطة تكشف عن ان هذه الاحزاب والحركات ليست الا قوى ساعية الى الحكم ومتصارعة عليه مثل سائر الاحزاب السياسية، وان زعماءها هم أيضاً طامعون في السلطة والنفوذ والمال .. الفرق ان الاحزاب والحركات الاسلامية تجعل من الدين مطية لها من أجل خداع الأكثرية الجاهلة في بلدانها بانها حبيبة الله ورسوله واوليائه وأئمته، وهي ليست كذلك كما يؤكد للمرة الألف الدرس المصري الأخير.
الدرس المصري
[post-views]
نشر في: 9 يوليو, 2013: 10:01 م