بفيلمه المثير عام 1947 " مسيو فيردو Monsieur Verdoux "، أكمل شارلي شابلن تحولاً لافتاً للانتباه من الفيلم المحبوب عالمياً " المتسكع الصغير" إلى وحش مشوه السمعة على الشاشة و خارجها.و يقوم شابلن في أكثر أفلامه استقطاباً في مسيرته الفنية، و الصادر حديثا

بفيلمه المثير عام 1947 " مسيو فيردو Monsieur Verdoux "، أكمل شارلي شابلن تحولاً لافتاً للانتباه من الفيلم المحبوب عالمياً " المتسكع الصغير" إلى وحش مشوه السمعة على الشاشة و خارجها.
و يقوم شابلن في أكثر أفلامه استقطاباً في مسيرته الفنية، و الصادر حديثاً على قرص دي في دي عن شركة Criterion Collection، بدور فيردو، و هو كاتب مصرفي يفقد وظيفته و يجد عملاً جديداً في القتل ــ " تصفية أفراد الجنس المعاكس "، كما يعبّر عنه. و فيردو هذا في هذه الحالة دون جوان بغيض، مزواج أنيق المظهر و قاتل مسؤول عن سلسلة من جرائم القتل مع ابن شاب و زوجة معوّقة يعيلها عن طريق تزوّج ــ و قتل ــ سلسلة من السيدات الثريات اللواتي يسهل الضحك عليهن.
و الفيلم، المنمذَج على القصة الواقعية لقاتل النساء الفرنسي الشهير في بداية القرن الماضي، هنري لاندرو، هو كوميديا سوداء رائعة، تقوم على اتهام فلسفي طويل لخطايا الرأسمالية الحديثة. فنجد فيردو ( بطل القصة في الفيلم )، و قد ألقي القبض عليه و شُد إلى المقصلة، و هو يستمع إلى مراسل يحاول أن يُقنعه بتقديم وداعية الموت، " قصة ذات مبدأ أخلاقي ". فيصرّح فيردو، في الحوار الناجم عن ذلك، بجرائمه التي تبدو تافهة ضمن سياق مجتمع قائم على الجريمة، قائلاً : " كقاتلٍ جماعي أنا مجرد هاوٍ بالمقارنة."
و قد نشأ مشروع لاندرو هذا مع المخرج السينمائي المعروف أورسون ويلز، الذي أراد من شابلن أن يمثل فيه. غير أن شابلن، الذي أراد أن يقوم هو بإخراجه، اشترى حقوق القصة من ويلز، و أجرى تعديلاً عليها، و أخرجها، و قام بتمثيل الشخصية الرئيسة فيها. فقد قام شابلن، في الوقت الذي رشحت فيه أنباء القضية الواقعية في عشرينيت القرن الماضي، ــ و كان قد سخر من هتلر في فيلمه السابق " الدكتاتور العظيم " ــ بتجديد القصة على وفق الثلاثينات في أعقاب انهيار سوق السلع و على الخلفية المشؤومة لصعود الفاشية.
و قد جرت استلهامات و تكييفات فنية عديدة لقصة قاتل النساء لاندرو هذه، منذ أوائل الستينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا، على صعيد السينما و الإذاعة و التأليف.
أما على صعيد الواقع، فقد ولد هنري لاندرو في باريس عام 1869. و بعد تركه المدرسة، قضى أربع سنوات في الجيش الفرنسي، و حين سُرّح منه، أقام علاقة جنسية مع ابنة عمه التي أنجبت له  طفلة من دون زواج. ثم تزوج امرأة أخرى و كان له منها أربعة أطفال. و قد احتال عليه مستخدمه في العمل و أخذ ماله. فقام هو بالاحتيال على الآخرين، بضمنهم أرامل كبيرات في السن. و قد حكم عليه بالسجن لمدة سنتين في قضية احتيال. و في عام 1914، ابتعد عن زوجته و عمل في بيع الأثاث المستعمل.
و بدأ لاندرو ينشر إعلانات في باب القلوب الوحيدة في الصحف، ذاكراً أنه أرمل مع طفلين، و يبلغ 43 عاماً، و له دخل مريح، و يرغب في مقابلة أرملة لغرض الزواج مستقبلاً. و كان هناك خلال الحرب العالمية الأولى الكثير من الأرامل بعد مقتل أزواجهن في خنادق القتال، و كنّ فريسة سهلة للاندرو.
و راح لاندرو يغويهن للمجيء إلى منزله الباريسي، و بعد أن يجد مدخلاً إلى ممتلكاتهن، يقوم بقتلهن و إحراق أجسامهن المقطَّعة في الفرن. فكانت هؤلاء الضحايا يسجّلن لدى الشرطة كمفقودات لعدم العثور على أجسامهن أو شيء يدل على ما حدث لهن. و كان لدى القاتل دفتر يسجل فيه ضحاياه لكن بأسماء مستعارة لغرض التعرف عليهن أو مراسلتهن. و قد استطاعت أخت إحدى الضحايا عام 1919من التعرف على لاندرو من مظهره و إقناع الشرطة باعتقاله. و بمقارنة أسماء الضحايا في دفتر لاندرو مع بعض الوثائق و الأحداث استطاعت الشرطة أخيراً أن تكوّن دليلاً كافياً لاتهامه بالقتل.و قد أدين لاندرو بتهمة قتل 11 ضحية، و حكم عليه بالإعدام عام 1921، و قُطع رأسه بالمقصلة بعد ثلاثة أشهر من ذلك في فرساي. و رأس هنري لاندرو المقطوع معروض اليوم في متحف الموت في هوليوود،
بكاليفورنيا.