TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حجرالصبر وطفل كابل

حجرالصبر وطفل كابل

نشر في: 10 يوليو, 2013: 10:01 م

تختزل السينما في أفغانستان  أحيانا بصورة مبدع مثل عتيق رحيمي الأديب الذي ولج السينما بعدة الأدب ، فكان ان طبع اسلوبه السينمائي بما هو شعر، حيث تتجلى في أفلامه الرغبة في التأمل ، ولعل هذا كان واضحا في فيلمه (حجر الصبر) الذي كان الحدث الأهم في مهرجان أبو ظبي السينمائي في دورته الأخيرة.
ولاعجب ان يقف عتيق بوصفه ممثلا لسينما حقيقية بدأت تؤكد حضورا مهما في المشهد السينمائي العالمي، خاصة وهو التجسيد الحقيقي للظرف الذي يعيشه بلده، ففي كل ما كتب وما صنع من أفلام كان يغترف موضوعاتها من قلب الأحداث التي مر بها بلده ومن حجم المآسي التي خلفتها الحروب، ولعل فيلمه الأخير حجر الصبر يقف في صورة انسحاق الإنسان الأفغاني تحت وطأة التشدد الديني، وصرامة التقاليد المتزمتة التي هي انعكاس لهيمنة قوى التخلف في هذا البلد.
واذا كانت السينما الأفغانية قد فاجأت العالم قبل سنوات من خلال فيلم (أسامة) الذي نال احد اهم جوائز مهرجان كان في حينها، من جهة موضوعه المتفرد والجريء ، فان هذه السينما مع عتيق رحيمي بدأت بخطى ثابتة لتأكيد حضورها المتميز.
إذا كانت أفغانستان قد احتلت في السنوات العشر الأخيرة، صدارة الأخبار السياسية بوصفها الحاضنة الرئيسة للإرهاب العالمي، وتداعياته المختلفة في العالم.. فإن هذا لم يمنع من أن يكون لها وجه آخر، يصارع من أجل أن يلغي الانطباع السائد بتخلفها عن ركب الحضارة.. ومثل هذا الجانب يتجلى في أكثر من نشاط ثقافي حضاري، أدهش العالم.. هو نتاج طبيعي للآلام والنكبات التي مرّ بها هذا البلد، من جهة تمثلها وانعكاسها إبداعاً يوثق لسنوات الكارثة.
ويخطئ من يظن أن إخفاء العالم بمثل هذه الومضات في الإبداع، هو لدواع  واعتبارات سياسية، من خلال نظرة فاحصة للأعمال الإبداعية لمثقفين أفغان تسيدت منصات الجوائز في التظاهرات الثقافية العالمية..
عتيق رحيمي.. هو احد أهم الأسماء التي ذهبت بأفغانستان إلى حيث الجمال والإبداع.. طفل كابل هذا الذي عاصر مآسي بلده وذاق أهله ويلات الحروب والغزوات ماضياً وحاضراً كان لعائلته نصيب وافر منها.. استطاع أن يوثق جمالياً فجيعة بلده(الفاشل) باصطلاح السياسة.. ليفرض حضوراً لافتاً في المحافل الأدبية والفنية..
ترك بلده بعد أن عاش ويلات الاحتلال السوفييتي له، ليستقر في فرنسا كلاجئ سياسي.. ويكتب تعليمه من قلعته العلمية السوريون.. لتكتمل أدوات الإبداع لديه، ويدشنها في روايته (الأرض والرماد)،و(ألف بيت من الأحلام والرعب)،و(الصورة الخيالية) ثم(صخرة الصبر) التي استحقت عن جدارة جائزة(غونكور)..
وهي بوح شعري وحزين يعكس الشغف الرائع للحرية.. في بلد يعرف طعمها.
إصرار طفل كابل هذا في ان يجمع المجد من كل أطرافه، جعله يذهب بعيداً حينما يتولى بنفسه أفلمة إحدى رواياته وهي (الأرض والرماد) لتكون حدثاً سينمائياً يحظى بتكريم اعرق المهرجانات السينمائية. وهو الفيلم الثالث خلال السنوات العشر الأخيرة بين أربعة أفلام أدهشت بها هذا البلد عشاق السينما وهي (أسامة)،و(حرب الأفيون)،و(طفل كابل).
(الأرض والرماد)يتحدث بلغة شاعرية تتجلى منها صور باذخة التعبير، عن أوضاع بلده الاجتماعية..
عتيق رحيمي.. مبدع بمواصفات بلد تحرقه السياسة.. بمجد مبدعين من طراز رحيمي في سعيهم لان تكون النار سلاماً على شعب تغربت جذوره بعيداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram