يحدث فجأة أن يخطر عليك خاطر أو تسمع كلمة أو تشاهد صورة، فيثير انتباهك بسبب ذلك موضوع تستغرب كيف أنك لم تلتفت إليه سابقاً. وهذا ما حدث لي عندما وقعت عيني على الصور التي التقطها مسبار وكالة ناسا الذي انزلته مؤخراً على المريخ. ولفت نظري أن هذا الكوكب فارغ، فسألت نفسي حينها: منذ متى وهو فارغ بهذا الشكل، وجاء الجواب سريعاً، منذ بلايين السنين!! يا ربي! ايعقل أن يدور هذا الكوكب كل هذا الزمن وهو ميت على هذه الشاكلة وبلا حياة؟! إنها فعلاً حقيقة مدهشة، يدور لمجرد الدوران وتبقى الأشياء ساكنة فيه ولا تتغير؟! ثم تذكرت بقية كواكب المجموعة الشمسية، وبعضها هائل في حجمه، بل ان المشتري بمجموعة اتباعه يكاد ان يماثل مجموعة شمسية مستقلة. مع ذلك هو بلا حياة.
ثم سرح بي خيالي باتجاه أعماق الكون الهائلة، حيث الاحتمال الأقرب هو خلوها من أية حياة، موت ولا شيء غير الموت!! ايعقل هذا؟ وما الحكمة؟ وما هي طبيعة الضرورة التي املت كل هذا الكم الهائل من الأجرام التي تسبح خالية؟ وتدور بشكل رتيب منذ زمن لا يمكن تخيل امتداده.. تكرار وتكرار وتكرار ونفس التفاصيل مستمرة!
بعد ما يقرب من النصف ساعة من الاندهاش والحيرة، عدت لصوابي، وتوقفت عند معنى الموت الذي اسقطته على الكون، فاكتشفت سريعاً، أنني احكم على أي مكان يخلو منّي، ومن الكائنات الحيَّة التي تشبهني، بالموت، فأي غرور هذا الذي افكر فيه واحاكم الوجود من خلاله!؟
المريخ حيٌّ بوجوده، بحركته وتأثيره وتأثره بما حوله. أما وجود وعدم وجود الكائنات الحيّة، فحدث واحد من بين كم هائل من الاحداث التي لا يمكن إحصاؤها، من تلك التي حدثت ولم تزل تحدث على هذا الكوكب، فما الذي يجعل حدث وجود الكائن الحي هو الذي يُكسب هذا الكوكب أهميته ومن ثم حياته؟
هذه النظرة المُغرقة بانانيتها هي التي دفعت بالإنسان الى تدمير نفسه وما حوله، فهو يعتقد أن الأشياء تكتسب أهميتها من أهمية وجوده. ثم تنسحب هذه النظرة الأنانية إلى داخل الوجود الإنساني فتحكم كل مجموعة بشرية على أهمية المجموعات الأخرى من نفس المنطلق الأناني، فتنشأ بسبب ذلك مبررات القتل والإبادة. بعد ذلك تخيلت وكأن الإنسان عبارة عن قملة تعيش على جسد حيوان وتعتقد أن أجساد الحيوانات التي تخلو من الكائنات الطفيلية التي تشبهها ميتة، ثم تستغرب هذه القملة، كما نفعل نحن، من وجود كم هائل من الأجساد التي تعيش من دون قمل، وتعتقد أن ذلك هدر للمكان!
وفعلاً الا تُعتبر الكواكب الخالية من الحياة سعيدة حظ بالنسبة إلى الأرض بالضبط كما أن الكائن الحي الخالي من القمل سعيد حظ بالنسبة للكائنات الأخرى التي تعيش مجاميع القمل على دمائها.
الكائنُ الميّت
[post-views]
نشر في: 10 يوليو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
رشا حميدان
نحمد الله على نعمه. فنحن نتمادى بالانانيه والله ينعم علينا بالنعم