TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بلاد الهلوسة

بلاد الهلوسة

نشر في: 10 يوليو, 2013: 10:01 م

أتعجب وأندهش إذ اقرأ تقريراً في صحيفة "الحياة" اللندنية يرصد تزايد اقبال الشباب على حبوب الهلوسة في بلاد كل ما فيها يبعث على الهلوسة والهذيان ويتسبب في فقدان العقل والذاكرة والتوازن من فرط ما يجري فيها من عجائب وغرائب.
البلاد هذه هي بلادنا، العراق، والتقرير الصحفي ينقل عن مدير عام الصحة في محافظة البصرة تأكيده اتساع نطاق تناول الحبوب المخدرة وبالذات حبوب الهلوسة بين الشباب وبخاصة طلبة المدارس، عازياً الاسباب الى " ضعف القوانين التي تنظّم عمل الصيدليات، فضلاً عن الثغرات الحدودية" مع الكويت وايران.
هذا التشخيص للأسباب قائم على زاوية نظر إدارية. ولو سألنا مختصاً في علم الإجتماع لأعاد الاسباب الى الفقر والبطالة وانسداد آفاق المستقبل أمام الشباب وانعدام الأمن وغياب فرص الترفيه والتدريب. اما المختص في علم النفس فسيحدّثنا عما يُمسك بتلابيب الشبيبة العراقية من يأس وإحباط وشعور بالقهر وهم يعانون من هذه الأوضاع في بلد يعوم على محيط من النفط والغاز ويغرق في بحر من الثروة .. المنهوبة جهاراً نهاراً، ولا ينقصه سوى أصحاب الضمير الذين فُقد كل أثر لهم في مؤسسات الدولة العليا.
مع هذا أتعجب وأندهش أن يحتاج شبيبة العراق الى حبوب تهلوسهم .. أتعجب كيف لا يُصابون بنوبات الهلوسة والهذيان مما يرونه بأعينهم ويسمعونه بآذانهم ويدركونه بعقولهم من عجائب الامور وغرائب القضايا الجارية في البلاد.
سنة بعد سنة تتصاعد عائدات النفط، ويُرصد للموازنة العامة أكثر من مئة مليار دولار .. وسنة بعد سنة في المقابل تظل خدمات الكهرباء والماء والمجاري والصحة والتعليم والنظافة والحصة التموينية المتردية ومستويات الفقر والبطالة المرتفعة على حالها.. كيف؟ أين تذهب المليارات؟ (الا يهلوس شباب العراق ويدفعهم الى الهذيان مثلاً أن يقرر رئيس مجلس الوزراء الآن فقط تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب عدم حل مشكلة الكهرباء!.. صح النوم دولة الرئيس!).
سنة بعد سنة أيضاً تتضاعف تخصيصات الأمن والدفاع وعديد العاملين في أجهزة الأمن والدفاع .. وسنة بعد سنة تتزايد وتيرة اعمال الارهاب والجريمة المنظمة وانتهاك القانون ويتسع نطاقها .. كيف أيضاً؟ أين تذهب التخصيصات الاضافية وماذا يفعل المُجندون الجدد في هذه الأجهزة، فضلاً عن القدامى؟
جهاز "كشف" المتفجرات الذي تستعمله أجهزة الأمن لسنين عدة يثبت انه مزيف ومغشوش ونتاج صفقة فاسدة أبطالها مسؤولون كبار في الدولة، ومع ذلك تستمر أجهزة الأمن في استخدام هذا الجهاز ولا يُحاسب "الأبطال" كما حاسب القضاء البريطاني التاجر الغشاش؟ كيف؟ ولماذا؟
سنة بعد سنة يثبت بالدليل ان الفساد المالي والاداري يعصف بحياة دولتنا ومجتمعنا ويطيح أحلام الشباب والشيوخ والاطفال، وان كبار الفسدة هم كبار المسؤولين في الدولة، فلا تتحرك الحكومة ولا البرلمان ولا القضاء .. كيف ولماذا؟
ألا يكفي هذا الغيض من الفيض الشبيبة للهلوسة والهذيان فيكفّوا عن البحث عن حبوب مهربة من الكويت وايران؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram