كتب بن فان هوفلن في يومية واشنطن بوست الاميركية ذائعة الصيت، قبل بضعة ايام تقريرا يمكن ان يصفه المرء بأنه "آخر رهانات واشنطن" على ممكنات المالكي السياسية بعد ان "فوجئ بخسارات قوية" في اقتراع مجالس المحافظات، على حد تعبيرها.
التقرير جاء تحت عنوان "رئيس الحكومة الشيعي في العراق يبحث عن حلفاء سنة". ولكن كيف؟ هنا تتورط الصحيفة الاميركية بمجموعة مغالطات، تمنعها من توفير تصور لصانع السياسات الاميركي، يستوعب الحقائق العراقية الجديدة، والذي ورط صحيفة مثل واشنطن بوست بهذا، هو معلق اميركي اخوض معه بين الحين والاخر سجالات صاخبة على تويتر، وأقول له انه "مالكي اكثر من المالكي نفسه". الى جانب اثنين من الفريق السياسي لائتلاف دولة القانون الذي امضى عامين وسط اخطاء رهيبة وهو يشعر بعزلة نادرة اليوم.
وقد رسم الثلاثة الصورة التالية: المالكي متماسك ويرفض اسلوب ايران في ادارة ملف الدم في سوريا، ونجح في منع الميليشيات من حمل السلاح خلال موجة العنف الاخيرة. والمالكي نجح في تمرير قانونين مهمين يرضيان المتظاهرين السنة، هما منح صلاحيات اوسع للمحافظات، تعديل اجتثاث البعث. والمالكي ينجح في التواصل مع "سنة معتدلين" حققوا نتائج مهمة في الانتخابات. كما ان خسارته لحكومتي بغداد والبصرة ستجعله مرنا مع السنة وقادرا على بناء تحالف غير طائفي في انتخابات ٢٠١٤!
وكمراقب عراقي اتمنى ان اصحو ذات يوم فأجد هذا الكلام متساوقا مع ما يجري على رقعة الشطرنج، لكن بغض النظر عن الامنيات فإنني اشعر بكثير من الدهشة والاسف لان عيون اميركا تراقبنا بالمقلوب، واذا كان النقاش داخل مكتب نائب الرئيس جو بايدن يتم بشكل مشابه لتناول واشنطن بوست، فهذا يعني اننا سنضيع مع الاميركان المزيد من فرص الفهم.
المشهد بالمقلوب تماما داخل هذه النافذة الأميركية، لأنه ودل ان تتذكر الصحيفة ان التورط الاهوج والخالي عن المعنى في الحويجة ومقتل وجرح نحو ٢٥٠ متظاهرا، كان حركة حطمت عش الدبابير، يحاول كاتب التقرير ان يبدو سعيدا بمن يقول له ان المالكي طلب من الميليشيات عدم حمل السلاح لقتل السنة، وهؤلاء استجابوا لطلب المالكي ولم يقتلوا السنة! ولو كنت ميليشياويا وطلب مني المالكي عدم حمل السلاح، فإنني سأسأله دون تردد: ولماذا لم تصبر انت على متظاهري الحويجة؟ لكن واشنطن بوست كما يبدو نسيت ان تطرح هذا الاستفهام. (ومن حق اميركا ان تنسى، كما من حقها فعل اي شيء).
والمشهد بالمقلوب فيما يتصل بقانون توسيع صلاحيات المحافظات، فالمالكي هو الاكثر غضبا من تشريع القانون وكان يريد ان يطعن به في المحكمة الاتحادية لولا انه شعر باليأس من مدحت المحمود، الذي لم يعد كما في السابق. ولا ادري كيف استسهلت واشنطن بوست تمرير هذه المعلومة القاتلة في زيغها، قائلة ان المالكي هو صاحب القانون هذا.وجيد ان فريق السلطان يحاول ان يراجع اخطاءه، وهذه امنية اميركية اخيرة كما بدا من حماسة واشنطن بوست، وسيكون هذا في صالحنا جميعا، الا انه لن يكون في صالح الدكتور صالح المطلك الذي لم ينجح في الحصول على شيء يذكر في الانتخابات، لانه دفع ثمن تقارب بصيغة القمار السياسي، مع مرتكب اخطاء الحويجة والرمادي. ولذلك فإن الفريق الشيعي الاخر قال للمالكي مرارا ان محاولة شق الصف السني والتحالف مع القوى السنية التي تحظى بثقل اقل، لن يصنع تسوية متكاملة، وسيظل شبيها بمحاولات فريق السلطان تأسيس "عراقيات" بيضاء وحرة..الخ، لشق صف العراقية والاستفادة من تناقضاتها. ولذلك ظلت قيمة التقاربات التي يصنعها المالكي مع السنة مسجلة باسم محاولة "مشعانية" مخفقة، بينما نجح الصدر والحكيم وبتفاهمات لم تكن القوى الكردستانية بعيدة عنها، في رسم صيغة عمل مصممة بعناية مع التحالف السني الاوسع، داخل البرلمان وفي الحكومات المحلية، ادى لتخفيف الاحتقان وصناعة تهدئة نحتاجها جميعا للوصول الى التغيير الذي نظل على موعد معه في ٢٠١٤.
آخر ما سمعت من الدكتور المطلك قبل ازمة الحويجة، كان اصرارا على التعامل مع المالكي، لكنه كان يقول: على فريق السلطة ان يكف عن ارتكاب الاخطاء كي لا يسود وجوهنا امام جمهورنا. ثم حصل ما حصل.
هناك اذن، اميركان لازالوا يحاولون "انقاذ المالكي" كما فعلوا مرات ومرات. ومحاولات المساعدة هذه تطلبت من واشنطن بوست ان تنظر بالمقلوب لرقعة الشطرنج البغدادية. لكن هذا اللون من التحديق مرهق حسب التجربة، وقد يؤدي الى اضطرابات في العيون، لا تحتمل كلفتها حتى الدول العظمى.
واشنطن بوست المالكي
[post-views]
نشر في: 14 يوليو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 2
آريين آمد
يبدو ان امريكا مصابة بالعمى الثقافي فهي لا تقرا ما يكتبه المثقفون العراقيون لتعرف الى اين يمضي العراق... فالتمنيات شيء والواقع بكل ثقله ومرارته شيء آخر.... اتمنى ان تبادر جهة عراقية بترجمة ما ينتجه العراقيون من تحليلات ودراسات وآراء وتقدمه الى صانع القرار
مهيمن الحر
تحليل الاستاذ سرمد الطائي وان اختلفنا معه قليلا او اتفقنا كثيرا يتسم بالموضوعيه وهذا بحد ذاته شي مهم ومميز بالاعلام المقرؤ