للطقوس في كل شيء لذة كبرى فمن يشاهد مباراة لكرة القدم مع عائلة تهوى الرياضة اومع رفاق في مقهى شعبي يتلذذ بالتشجيع صراخا، ومن يمارس لعبة (المحيبس) الرمضانية بعد الافطار في مقهى محلته الشعبية يتلذذ يتناول البقلاوة والزلابية المرصوفة في صوانٍ اعدت للفائزين والمشاركين على السواء..في رمضان هذا العام بدأت حكاية الطقوس الرمضانية بالتضاؤل تدريجيا فمن حصة تموينية تشمل كل المواد الاساسية التي تحتاجها العائلة العراقية الى حصة تضم التمن العادي والبسمتي والزيت فقط بانتظار اكتمالها مع اكتمال القمر في منتصف الشهر بوصول العدس والسكر وحليب الاطفال واذن فلاضير من تأجيل عمل (الكاستر) و(المحلبي) حتى النصف الثاني من الشهر الكريم طالما ان كرم الحكومة لم يتزامن مع بداية الشهر..ومن انتظار صوت الطبل الذي يدق عليه (المسحراتي) لايقاظ الناس وقت السحورالى توقيت الساعات المنبهة بعد ان تعرض مسحراتي منطقة العامرية الى القتل على ايدي مسلحين واختفى المسحراتية مع طبولهم من بعض الاحياء خوفا من نفس المصير، ومن التجمع بعد الافطار اما في الجوامع للصلاة وتلاوة القرآن او في المقاهي الشعبية والكازينوهات لممارسة لعبة (المحيبس) او الالعاب الشعبية الاخرى الى تناثر جثث ضحايا المحيبس بعد انفجار يستهدفهم في احد مقاهي محافظة كركوك او متابعة مسلسلات لاأول لها ولاآخر على مختلف القنوات الفضائية او الجلوس امام عوالم الفيس بوك حتى موعد السحور...
في ايام رمضان، كان الناس يتسابقون لفعل الخير ومساعدة المحتاج وتبادل الاطباق قبل الافطار والتزاور واليوم يتظاهرون احتجاجا على غياب الكهرباء في بلد النفط والوقود ويغرقون في عرقهم وهم يجلسون لساعات طوال في مركبات النقل الخاص التي تحولت الى اقفاص بشرية في انتظار الخلاص من الازدحامات والحواجز الكونكريتية ويواظب اصحاب الدخل المتوسط منهم على شراء افخاذ الدجاج المجمد الذي يطلق عليه تندرا (المفخخ) لعجزهم عن دفع ثمن لحم الغنم او الدجاج الحي يوميا، اما اصحاب الدخول المحدودة او الغاطسون تحت خط الفقر فيكفيهم رغيف او طبق رز يملأ معدتهم رغم ان عيونهم تشتهي كل معروضات السوق كعادة الصائمين في كل زمان ومكان او يزورهم الحظ بحصولهم على سلة رمضانية من جمعية الهلال الاحمر او منظمات المجتمع المدني، اطباق ماقبل الافطار تضاءل تبادلها هي الاخرى بعد ان تبدل اغلب الجيران بفعل التهجير واحداث العنف ولم يعد الجار يثق الا بجاره الذي عرفه منذ سنوات طوال اما الجار الجديد او الطارئ فهو موضع شك حتى تثبت براءته...
طقوسنا الرمضانية انتهت منذ ان استبدلنا مسلسلات (تحت موس الحلاق) و(المقهى البغدادي) و(على هامش السيرة) العائلية والدينية بمسلسلات ترافق بعضها عبارة (يمنع الصغار من مشاهدتها لاحتوائها على مشاهد لاتليق بهم) فهي متخمة بالمخدرات والرقص والعنف والدم والضحك على الذقون ومن يخاطب فيها العائلة العراقية يسخر من الحكومة بطريقة (اكبر كذاب) او (ابو لسان) او يستفز آلامها بمصارحة رجل سياسة في سحور سياسي او حوار رمضاني لاكتشاف كم آخر من الفساد والكذب... رمضاننا بات فرصة لاستعراض عضلات (مدعي الخير) والناقمين على الوضع المائل ومخربي الطقوس البريئة..اما المواطن البسيط - الصائم او العاجزعن الصيام لعمله تحت سياط الحر اللاذعة فهو اول من يحرم من الامان وممارسة الطقوس الجميلة وآخر من يتلقى الخير في شهر البركات..
كذب.. في رمضان
[post-views]
نشر في: 15 يوليو, 2013: 10:01 م