هل فقد العراقيون قدرتهم على الاحتجاج.. هل تبخر وعي الشعب، وذهب في رحلة سبات طويلة؟ هل تحولنا الى شعب يدخل غرف النوم مبكراً ويغلق الباب وراءه.. شعب يفتقد الى حركات احتجاج لديها حصانة ضد ثقافة التدجين واقتسام الغنائم التي أتقنها العديد من المسؤولين، حركات احتجاج لا تحصر معارضتها في خطابات أو مؤتمرات صحافية رنانة ليعود بعدها أفرادها إلى الصمت.. حركات احتجاج تكون قادرة على معرفة مشاكل الناس وتطلعاتهم، بعدما وصلت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية إلى درك غير مسبوق.. حركات احتجاج تطالب بحل البرلمان، وتغيير سياسات الحكومة الحالية، حركات احتجاج ضد الطائفية السياسية التي تنتهجها العديد من الكتل السياسية.. حركات احتجاج شعارها "عراق حر بلا فساد" ومطالبها هي مطالب 30 مليون مواطن يسعون إلى أن تكون الحياة الجديدة في العراق نقيضاً لسنوات القهر والتضييق التي ولدوا ليجدوا أنفسهم غارقين في دوامتها.. هل نستطيع ان نؤسس لحركة احتجاج تكون خصماً حقيقياً للقوى السياسية المهيمنة التي فاح "بخور" فسادها.
جميعنا يتذكر الفيلم الكوميدي مهلة المئة يوم الذي انتجه السلطان رداً على تظاهرات شباط 2011، في تلك الايام أعلن رئيس مجلس الوزراء أن الحكومة تطلب من الشعب إمهالها مئة يوم، وسيصحو الناس بعد اليوم الواحد بعد المئة ليجدوا انهم يعيشون عصرهم السعيد.. المصانع تعمل بأقصى طاقتها، المشاريع الخدمية فاقت الوصف، مراكز الترفيه والثقافة أصبحت لا تعد ولا تحصى، البطالة اصبحت من الماضي. المضحك في هذه الأحداث المشوقة ان السيد المالكي أصرّ على تنفيذ التزاماته وخرج على العراقيين يوم 14/5/2011 ليقسم بأنه "سيقدم استقالته ويسقط الحكومة ويطالب بحل مجلس النواب في حال رأى أن لا فائدة من مهلة المئة يوم " لكنه ومن اجل إضفاء مزيد من الإثارة على احداث الفيلم عاد ليعلن في 6/6/2011 عن مفاجأة جديدة اطلق عليها اسم "المئة يوم الثانية" قائلا: ان هناك مدة مماثلة تكون سنداً لمهلة المئة يوم الأولى، وان الوزراء واعتباراً من يوم غد – يقصد يوم 7/6/2011- سيتحدثون تباعاً عما قدموه عن خططهم المستقبلية. " وكان الناس على موعد مع مسلسل جديد بثت حلقاته من على قناة العراقية حصريا، في تلك الحلقات التي قرر منتجوها ان تكون سباعية بدلا من ثلاثين حلقة اختصارا للتكاليف شاهدنا كيف ان السيد المالكي ملأ الشاشة بالخطب والشعارات، فالكل من وجهة نظره خاطئون ومقصرون، ولم يتورع عن اختيار أصعب الكلمات في توصيف ما يجري في بعض المحافظات، كان رئيس مجلس الوزراء ملعلعاً وهو يخوض معركته الكلامية المقدسة ضد كل مَن تسوِّل له نفسه الخروج في تظاهرات تندد بالإصلاح وتنادي ببناء مؤسسات الدولة على اساس الكفاءة وليس الولاء والقرابة، مشيعاً في الأجواء طقساً حربياً حتى اعتقد الناس أن المعركة قادمة لا محالة. ووفق هذه الخطب الثورية استقبل الناس حديث رئيس مجلس الوزراء عن مهلة المئة يوم " المقدسة " بمنتهى الجدية والثقة، مع ازدياد حالات الترقب والتشويق لما ستسفر عنه احداث هذا الفيلم "الهابط"، إلا ان الناس في زحمة انشغالهم في البحث عن لقمة العيش والأمان فاتهم ان يدركوا ان احداث الفيلم قد فات عليها بالتمام والكمال عامان ونصف العام، وان هذه الاحداث لم تكن سوى قفشات لطيفة، تبدو في ظاهرها جادة، لكنها في النهاية نوع من الضحك على الناس، وان القائمين عليها منفصلون عن الواقع ولهذا لم يكن غريبا ان يلجأ المالكي ومقربوه الى استخدام اساليب من المماطلة والمناورة واشغال الناس في معارك جانبية، الغرض منها الاستمرار في عرض فيلم المئة يوم الى ما لا نهاية، بل ذهب الخيال ببعض المقربين الى ايهام الناس بأن هلال المئة يوم لم يبزغ بعد، وبدلا من ان يسعى الساسة والمسؤولون الى اعلان مشروع كامل لتطوير بنية الدولة العراقية، نراهم مصرِّين على تدعيم التخلف والمحسوبية والانتهازية السياسية، وترسيخ دولة الطوائف بدلا من دولة المؤسسات،ومع نهاية العامين والنصف على فيلم المالكي الشهير " مهلة المئة يوم " اكتشف الناس ان الوعد الخفي الذي روج له صُناع الفيلم لم يكن سوى سراب!
كم ضاع من زمن على هذا الشعب الذي يريدون له ان يظل خانعاً ذليلا تحت اقدام الساسة، وان يجرَّد من إرادته وخياراته.. كم ضاع من اعمارنا في ظل حكومة وبرلمان صوروا للناس ان الوعي والحرية والتقدم، انما هي خروج على سلطة الدين وارادة " الاب القائد". و ان الديموقراطية "اختراع امبريالي ".
عندما خرج المالكي يخطب قبل تظاهرات شباط ، قلت في نفسي، لقد أفاق، او استُفيق، وسيرى وجوه العراقيين وزمنهم الضائع، ويطلب منهم العمل معا لبناء بلد المواطنة، لا بلد الطائفة والعشيرة والأهل.
ولكن بعد سنتين ونصف من المراوغة والكذب، علينا ان نقف وقفة جادة لمحاسبة المفسدين.. والا فلنقدم خالص العزاء للعراقيين جميعا بوفاة دولة المواطن.
فيلم السلطان الكوميدي: مهلة المئة يوم..!
[post-views]
نشر في: 17 يوليو, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
مواطن
الى رحمة الله سعيكم مشكور..
محمد محمود
الأخ الأستاذ علي المحترم أنا من المتابعين لكتاباتك. جوابي لمقالك (فيلم السلطان ..) أن الشعب العراقي لايوحده هدف أو يجمعه وطن. كل فئة لها هدف ما. عندما يجمعهم هدف ويوحدهم وطن .. سيخرجون.. ولكن متى ذلك؟ تحياتي