اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نعمة الاسلام على العراقيين

نعمة الاسلام على العراقيين

نشر في: 17 يوليو, 2013: 10:01 م

كنت قد تحدثت في مقالي السابق عن العبادات التطهيرية، وكيف أن أغلب الناس يلتزمون بها من اجل تخفيف شعورهم بالذنب، وبالتالي فالتزامهم لا يعني نيتَّهم الكف عن ممارسة الاخطاء والذنوب، بل يعني، في غالب الاحيان، انهم يتخذون من هذه الممارسة محطة استراحة يخفّفون فيها بعضاً من اعباء شعورهم بالذنب، ليكونوا اقدر على ممارسة المزيد من الاخطاء. هذا هو حال بائع السوق الذي يغش الناس، وحال الموظف الذي يتعاطى الرشوة، وحال المسؤول الذي يسرق قوت الفقراء ليشتري به عمارات أو نوادي ترفيهية في أكثر عواصم العالم غلاء. ولو كفَّ كل صائم من هؤلاء عن مثل هذه الممارسات، لما وصل حالنا إلى ما هو عليه الآن!
في هذا السياق كنت قد اشرت إلى موضوع الاحاديث التي تعطي وعوداً باذخة بالمغفرة، وتربط هذه المغفرة بممارسة عبادات بعينها، وتساءلت إن كانت هذه الاحاديث تمارس نحواً من انحاء الانقلاب على الغايات الدينية. وفي الحقيقة هي تفعل ذلك، لأنها تُفْرغ الدين ـ باعتباره آلية في الضبط الاجتماعي ـ من محتواه، فالامر يشبه احتواء منظومة قانونية في بلد ما، على نص قانوني يعفو عن المجرمين مهما كانت جرائمهم، شرط أن يشتركوا بأداء فعالية اجتماعية لا تُكلفهم سوى بعض الجهد الجسدي. فهذا النص القانوني سيدفع بالمجرمين تجاه ممارسة المزيد من الجرائم، ما يفرغ المنظومة القانونية من غايتها الاساسية في منع الجريمة او الحد منها!
وهنا نصل إلى سؤال جوهري يقول: هل أن هذه الأحاديث والروايات، التي تُفرغ الدين من غاياته الضبطية، صحيحة وصادرة عن المُشرِّع، أم أنها موضوعة؟ وإذا كانت موضوعة، فما الغاية من وضعها؟ أقصد لماذا يتكلّف راوي الحديث اختراع روايات واحاديث لا تجر عليه نفعاً مباشراً؟!! ثم لماذا يسكت رجال الدين عن هذا الموضوع الخطير؟ لماذا لا يضعون له حلولاً جذرية؟! لماذا يسكتون وهم يشاهدون كيف أن الدين ـ في العراق على الأقل ـ اصبح مُشجّعاً على ممارسة أشد انواع الرذائل بشاعة؟ من سرقات مليونية للمال العام، إلى تفجير الناس بالجملة! تخيلوا معي بائعاً صائماً، في أي من اسواقنا، يغش شارياً صائماً في نهار الصيام، أي أثناء ممارسة العبادة؟!! أو مسؤولاً صائماً، يرفض إحالة عقد استثمار، إلى مستثمر صائم، لأن الصائم الثاني لا يضمن للصائم الأول، رشوة دسمة بما يكفي!! ثم تذكّروا معي بأن هذه الاحداث ليست شاذّة، بدليل أن الذين يمارسونها ليسوا شذاذ الآفاق، بل عِلْيَة القوم، والصفوة ممن يفترض بهم الحفاظ على "بيضة الإسلام" ورعاية مصالح "الأمة"!
لماذا لا يقلق علماء الدين من تفشي الرذيلة في البلاد الاسلامية، لماذا لا يقلق علماء ديننا في العراق من تحقيقنا أعلى معدلات ممارسة السرقة والرشوة على المستوى العالمي، مع أن الشريحة الحاكمة تمثل نخبة الملتزمين دينياً .. على سبيل الادعاء ..!؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو علي الزيدي

    الاخ العزيز سعدون انت تتسائل ونحن ايضا عن موقف المرجعيات الدينية لردع هؤلاء والوقوف بحزم ضد تصرفاتهم المشينة بحق الاسلام والمسلمين .ان الحالة التي نعيشها اليوم تبعث عن القلق حيال الدين ومستقبله حين لم تجد حاميا له .لقد افرغوا هولاء الدين من محتواه الاخلاق

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram