كنت قد تحدثت في مقالي السابق عن العبادات التطهيرية، وكيف أن أغلب الناس يلتزمون بها من اجل تخفيف شعورهم بالذنب، وبالتالي فالتزامهم لا يعني نيتَّهم الكف عن ممارسة الاخطاء والذنوب، بل يعني، في غالب الاحيان، انهم يتخذون من هذه الممارسة محطة استراحة يخفّفون فيها بعضاً من اعباء شعورهم بالذنب، ليكونوا اقدر على ممارسة المزيد من الاخطاء. هذا هو حال بائع السوق الذي يغش الناس، وحال الموظف الذي يتعاطى الرشوة، وحال المسؤول الذي يسرق قوت الفقراء ليشتري به عمارات أو نوادي ترفيهية في أكثر عواصم العالم غلاء. ولو كفَّ كل صائم من هؤلاء عن مثل هذه الممارسات، لما وصل حالنا إلى ما هو عليه الآن!
في هذا السياق كنت قد اشرت إلى موضوع الاحاديث التي تعطي وعوداً باذخة بالمغفرة، وتربط هذه المغفرة بممارسة عبادات بعينها، وتساءلت إن كانت هذه الاحاديث تمارس نحواً من انحاء الانقلاب على الغايات الدينية. وفي الحقيقة هي تفعل ذلك، لأنها تُفْرغ الدين ـ باعتباره آلية في الضبط الاجتماعي ـ من محتواه، فالامر يشبه احتواء منظومة قانونية في بلد ما، على نص قانوني يعفو عن المجرمين مهما كانت جرائمهم، شرط أن يشتركوا بأداء فعالية اجتماعية لا تُكلفهم سوى بعض الجهد الجسدي. فهذا النص القانوني سيدفع بالمجرمين تجاه ممارسة المزيد من الجرائم، ما يفرغ المنظومة القانونية من غايتها الاساسية في منع الجريمة او الحد منها!
وهنا نصل إلى سؤال جوهري يقول: هل أن هذه الأحاديث والروايات، التي تُفرغ الدين من غاياته الضبطية، صحيحة وصادرة عن المُشرِّع، أم أنها موضوعة؟ وإذا كانت موضوعة، فما الغاية من وضعها؟ أقصد لماذا يتكلّف راوي الحديث اختراع روايات واحاديث لا تجر عليه نفعاً مباشراً؟!! ثم لماذا يسكت رجال الدين عن هذا الموضوع الخطير؟ لماذا لا يضعون له حلولاً جذرية؟! لماذا يسكتون وهم يشاهدون كيف أن الدين ـ في العراق على الأقل ـ اصبح مُشجّعاً على ممارسة أشد انواع الرذائل بشاعة؟ من سرقات مليونية للمال العام، إلى تفجير الناس بالجملة! تخيلوا معي بائعاً صائماً، في أي من اسواقنا، يغش شارياً صائماً في نهار الصيام، أي أثناء ممارسة العبادة؟!! أو مسؤولاً صائماً، يرفض إحالة عقد استثمار، إلى مستثمر صائم، لأن الصائم الثاني لا يضمن للصائم الأول، رشوة دسمة بما يكفي!! ثم تذكّروا معي بأن هذه الاحداث ليست شاذّة، بدليل أن الذين يمارسونها ليسوا شذاذ الآفاق، بل عِلْيَة القوم، والصفوة ممن يفترض بهم الحفاظ على "بيضة الإسلام" ورعاية مصالح "الأمة"!
لماذا لا يقلق علماء الدين من تفشي الرذيلة في البلاد الاسلامية، لماذا لا يقلق علماء ديننا في العراق من تحقيقنا أعلى معدلات ممارسة السرقة والرشوة على المستوى العالمي، مع أن الشريحة الحاكمة تمثل نخبة الملتزمين دينياً .. على سبيل الادعاء ..!؟
نعمة الاسلام على العراقيين
[post-views]
نشر في: 17 يوليو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
ابو علي الزيدي
الاخ العزيز سعدون انت تتسائل ونحن ايضا عن موقف المرجعيات الدينية لردع هؤلاء والوقوف بحزم ضد تصرفاتهم المشينة بحق الاسلام والمسلمين .ان الحالة التي نعيشها اليوم تبعث عن القلق حيال الدين ومستقبله حين لم تجد حاميا له .لقد افرغوا هولاء الدين من محتواه الاخلاق