لا اعرف إلى الآن دقّة الأخبار التي تتحدث عن علاقة محافظ بغداد بعملية إغلاق بعض المقاهي في منطقة الكرّادة، واعتقد بأن هذه الأخبار غير دقيقة، أولاً: لأنني التقيت بالرجل أكثر من مرّة قبل تسلمه إدارة المحافظة، ولذلك أحسب أنه بعيد عن القرارات الارتجالية. وثانياً: لأن سلطة محافظة بغداد تتوقف حيث تبدأ سلطة أمانة بغداد، بمعنى أن دور المحافظة يقتصر على ضواحي بغداد، "هناك" حيث المناطق التي تنقصها الكثير من الخدمات وتنتشر فيها الكثير من الأمراض، أقصد المناطق التي تتوافد على بغداد نساؤها وفتياتها وصبيانها، إما للتسول أو للتفتيش في الأزبال عن لقمة العيش.
وبالمناسبة هذه واحدة من المفارقات التي يتسبب بها الالتباس القانوني الذي يحدد سلطات كل من محافظة بغداد وأمانتها، فبغداد هي المحافظة الوحيدة التي تنتخب مجلس محافظة لا تربطها به علاقة مباشرة! إذ أن خدمات بغداد من مسؤوليات الأمانة، وهذا الالتباس هو الذي دفع المحافظين الذين توالوا على إدارة محافظة بغداد، إلى ترك مسؤولياتهم عن الضواحي والانهماك بمزاحمة أمانة العاصمة على مسؤولياتها، إذ العمل في الضواحي لا يشد الأنظار والناخبين كالعمل في العاصمة.
السبب الثالث الذي يجعلني استبعد أن يكون للسيد المحافظ يد في موضوع إغلاق المقاهي، هو مخالفة القانون، إذ لا يعقل أن يترك أي مسؤول سلطة القانون التي يمتلكها ويلجأ إلى أساليب هو في غنى عنها، كأسلوب جمع تواقيع من وصفوا بأنهم شيوخ عشائر ووجهاء الكرّادة. باعتبار أن اتّباع الأساليب المخالفة للقانون ستفتح علينا أبواباً لا يمكن أغلاقها أبداً، ولو كان الموضوع موضوع تواقيع لكانت الرواتب التقاعدية لأعضاء مجلس النواب قد ألغيت منذ أشهر. ولو كان الموضوع يتعلق بتطبيق رغبات الأهالي، لكان مرقد سامراء الآن تحت إدارة السامرائيين "السنة" من أهالي المنطقة التي يقع المرقد فيها، وقد عبَّروا عن رغبتهم في الاستمرار بإدارة المرقد ورعايته، كما فعلوا منذ مئات السنين. ولو كانت الديمقراطية تختصر برغبات الناس فلماذا نتجاهل مطالب الآلاف المؤلفة من متظاهري الأنبار؟!
يا سادتي الأفاضل، القانون ثم القانون ثم القانون. لا تكونوا في تعاملكم مع الديمقراطية أشبه بطفل أهديت إليه لعبة رجل آلي وهو لم يتعامل طوال حياته مع غير الدمى المصنوعة من الطين. من خلال القانون يمكنكم إغلاق بدل المقهى الواحد ألف مقهى، ولن يعاتبكم أحد، لأن القانون هو الفيصل في ما يجوز ولا يجوز، أما سلوك غير السبل القانونية فسيُدْخل البلد في هرج ومرج.
الآن ماذا سنفعل لو تحرك مجموعة من شيوخ العشائر المحيطة بالمنطقة الخضراء وطالبوا بإعادة توزيعها على أهالي الكرّادة حصراً، بعد طرد ساكنيها "من السياسيين الجدد" ممن توافدوا إليها من مناطق ريفية أو شبه ريفية الأمر الذي أدى إلى ترييف المنطقة ومسخ طبيعتها البغدادية الحضارية؟
شيوخ ومقاهٍ
[post-views]
نشر في: 19 يوليو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
Mohammed
كلامم منطقي لكن المشكلة لايوجد منطق في هذا البلد