ضحكت وأنا أشاهد الوزير السابق علي الدباغ يقول، ومن على شاشة احدى الفضائيات: "إن الحكومة مسؤولة عن الخراب الذي حدث" ولم يكتف الدباغ بذلك، بل اطلق صيحة تحذير مدوية من اننا نسير نحو المجهول، وضحكت أكثر حين قرأت على صفحته في الفيسبوك، أنه يدعو الشباب الى تشكيل حركة تمرد عراقية يكون جهدها منظماً، وتتعلم من حركة "تمرد" التي يقودها شباب مصر المخلصون الذين جمعوا 22 مليون توقيع لعزل محمد مرسي.
وأنا اقرأ مدونة الدباغ وانظر اليه يقلب الطاولة على العملية السياسية في برنامج "سحور سياسي"، عادت الى ذهني صورة السيد الناطق الحكومي حين كان يظهر ليبشر العراقيين بالنصر المؤزر الذي تحققه الحكومة كل يوم: "إن الحكومة استطاعت ان تحاصر الفساد والمفسدين " وتذكرته وهو يبتسم أمام شاشات الفضائيات متحدياً المتظاهرين الشباب في شباط عام 2011، الذين خرجوا يطالبون بمحاسبة الفساد والمفسدين، تذكرت كل هذا وغيره الكثير من التصريحات المتناقضة التي قال فيها الناطق السابق إننا: " نعيش زمن الازدهار والاستقرار وان العراق اليوم أكثر استقراراً من كل دول المنطقة".
سنوات والسيد علي الدباغ وزير الناطقية يجلس على يمين رئيس مجلس الوزراء، يغازل هذا، ويصارع ذاك، يدخل في معارك وحروب طاحنة، لكنه في النهاية يخرج منها منتصراً، بفضل الرعاية والحماية التي كان يحيطها به السيد نوري المالكي، سنوات وهو يلوح بالعصا لكل من يريد الاقتراب من أسوار الحكومة.
في كل هذه المرات كان الدباغ، يطرح نفسه باعتباره المقاوم والمدافع عن نزاهة الحكومة ضد أية شائبة فساد او سرقة للمال العام، لا يترك مناسبة إلا ويعلن فيها بصوت عال بان لا مكان في العراق الجديد لمن يريد ان يلوث ثوب الحكومة الناصع البياض، ولهذا فان الدفاع عن أخطائها وخطاياها فرض عين على كل مواطن يتمتع بخيرات ومنجزات هذه الحكومة، التي قال عنها الدباغ يوما: انها استطاعت ان تقنع الشارع العراقي والمواطن بما قدمته من خدمات واستقرار أمني.
بالأمس كنا على موعد جديد مع الناطق الذي اشتقنا لسماع صوته، لكنه هذه المرة كان بديلا عن المعارضة، ليقول ان لديه ملاحظات على العملية السياسية.. وأولى هذه الملاحظات هي إقصاء الآخرين الذين اكتشف الدباغ ولو متأخراً ان: " العديد من الشرائح في المجتمع ظُلمت بسبب حالة التمييز التي مارستها الأجهزة الأمنية ".. طبعا هذا الكلام سنصفق له ونقف احتراما لصاحبه، لو لم يكن مشاركاً أساسياً في حالة الفوضى التي نعيشها.. وانه لم يكن يردد على أسماعنا كل يوم منلوجاً يبرر فيه خطايا وأخطاء الحكومة.
سيقول البعض ان هذه تغيرات ذكية تسمح لصاحبها ان يمسك العصا من منتصفها؛ فالرجل موقفه كان واضحاً في لحظة احتدام الغضب على سياسات رئيس مجلس الوزراء، قال بوضوح حينها: " علينا ان نمنح السيد المالكي فرصة " ووصف رئيس الحكومة بأنه لا يتحمل وحده مسؤولية ما يجري..كان هذا قبل ان يخرج من الحكومة بأسابيع، لكن بعدها تغيرت مواقفه تدريجيا، بدأت بالوقوف في المنتصف، أملاً في العودة الى كرسيه الوثير، وانتهت بمحاولة صنع صورة المعارض الشجاع لسياسات النظام الذي يقول وبالحرف الواحد " نحن الى النازل.. اليوم حين تدخل الى السجن بلا سبب من الذي سيخرجك غير الله "، طبعاً بعدما أصبح مسؤولا سابقاً، اكتشف ان من الخطأ محاصرة مناطق للسُنـَّة.. لا اريد ان اذكر السيد الدباغ بعدد المؤتمرات الصحفية التي عقدها وكان يبرر فيها إغلاق مناطق الأعظمية والسيدية والعامرية، لانها حسب قوله السابق اصبحت أماكن ينطلق منها الإرهابيون، ففي جولة على ظهر اليخت " غوغل " يمكن لنا ان نرى بالصورة والصوت صولات السيد الدباغ ضد معارضي نهج الحكومة.
الدباغ الذي يخرج علينا من على شاشات الفضائيات هو استمرار لصورة لا تغيير، وتواصل لمنهج لا انقطاع فيه، هو سليل موظفي انظمة يبحث اصحابها عن بطولات مثيرة للجدل.. وهي البطولة التي تسمح لصاحبها ان يقول اليوم: " ان الحكومة عجزت عن توفير الكهرباء بعد ان صرفت المليارات، وانها لن تتمكن من توفيرها في الأعوام القادمة ".. وينسى " الدباغ " انه ظل يبشرنا ولسنوات بان الكهرباء في طريقها الى الاستقرار.. وانه نفسه بلحمه وشحمه، اعلن عام 2012 وبمؤتمر صحفي مع الوزير السابق رعد شلال:" ان تجهيز الطاقة الكهربائية في تزايد وانها ستستقر في هذا الصيف ".
للأسف يصر البعض ان نعيش معه في عصر الحنجرة عالية الصوت، وهو ما يحدث اليوم عندما يقدم السيد الدباغ نفسه على أنه حامى الدولة المدنية فى مواجهة دعاة الدولة الدينية، وهو ما يمكن أن نراه سراباً آخر، فالدولة التي انتمى اليها الدباغ وعمل في ظلها سنوات لا مدنية ولا دينية.. وإنما دولة استبداد.
"تمرّد" بعد أن تترك المنصب
[post-views]
نشر في: 22 يوليو, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 8
حسن
انت تغار من الاستاذ علي الدباغ لانك فقط كاتب وهو متعدد المواهب , خبير في شؤون المرجعية و ناطق باسم الحكومة , مذيع على مستوى باربرا والتز , خبير في عقود الاسلحة , خبير في الرياضة والشؤون الاولمبيةواخيرا رجل اعمال ما صرح في لقاء تلفزيوني
آريين آمد
في لقائه الاخير في برنامج سحور سياسي بدى السيد علي الدباغ فارغا ومهزوزا ومثيرا للشفقة خاصة عندما اعلن بانه (دعا على كل الذين ظلموه في الكعبة الشريفة... وان الله سينتقم له)... في وقت كنا نرغب ان نسمع منه دفاعا حقيقيا عن نفسه وكشف للحقائق باعتباره كان يعوم
حيدر العراقي ـ بغداد
ارجو ان نتذكر ان الدباغ قبل تسلمه المناصب التي تدر عليه ملايين الدولارات في الحكومة كان مستشارا للسيستاني والعاقل يفهم!
خليلو ...
علي مهدي الدباغ،في دبي يلبس لبس اهل العين،وفي بغداد،وهوفيالسلطة، مالكي اكثر من نوري المالكي،وحين تخيس ذمته وتطرده الحكومة غسلا لعارها ، يلبس لبوس المقاومين للفساد وهو الفاسد ويريد استنساخ التجربة المصرية داعيا الشباب ال الانتفاض كانما شباب العراق محتاج ال
سليم ناصر
واضح ان هناك تحاملا كبيرا وجزء منه حسد واضح ، انا ارى ان الدباغ كان مقنعا جدا وكان يتكلم بعفوية وببساطة وانا منت اتابع احاديثه عندما كان ناطقا فهو كان متوازنا جدا ولبقا وخطابه هادئ ويتمتع بخلق عال في التعامل معنا كصحفيين، لكن يجب ان تنصفوا الرجل وتتكلموا
احمد القريشي
انت تضحك لأنك سفيه وتعارض كل شئ ولم اقرأ لك في يوم تدعم جهدا خيرا وصحيحا ويبدو ان لديك عقدة وهذا واضح بينما مؤسسة المدى تتمتع بالاحترام ونقرأ للأستاذ فخري كريم مقالات رائعة وكذلك عدنان حسين لكنك نغمة نشاز في المدى. أنا تابعت مقابلة الدباغ بعد ان فرأت تهكم
العراقي
علي الدباغ قبل الخروج من الحكومة كان المدافع الاول عنها ((ويلتم)) ويبرر اخطائها اما الان بعد ضرب مصلحتة أصبح ألمعارض لها وهذا حال كل السياسيين العراقين بعد الخروج من المنصب
عراقي خمسينات
سادتي ألأفاظل ...العراق انتهى كدوله وكبشر وآدميين يريدون العيش مثل من يمتلكون النفط كنزاً للشعب ..ولن تقوم لعراقنا الجريح قائمه ما دامت ألأحزاب الدينيه متسلطه على رقاب البشر ولا غرابة بنفاق الدباغ الذي عاشر النفاق بأقرب ما يكون في السلطه فالدين أساس التفر