TOP

جريدة المدى > سينما > الاستهزاء والسخرية على حساب الموقف الكوميدي

الاستهزاء والسخرية على حساب الموقف الكوميدي

نشر في: 24 يوليو, 2013: 10:01 م

في ظل الإمكانات المادية الكبيرة للعديد من القنوات الفضائية ، فأننا نشاهد في كل رمضان عددا كبيرا من المسلسلات الكوميدية ، عربية وعراقية ، يتفاوت مستوى هذه الأعمال ، حسب طبيعة وأهداف الجهة المنتجة ، وربما يستسهل بعضهم صناعة هذه المسلسلات لفهم مسبق و خا

في ظل الإمكانات المادية الكبيرة للعديد من القنوات الفضائية ، فأننا نشاهد في كل رمضان عددا كبيرا من المسلسلات الكوميدية ، عربية وعراقية ، يتفاوت مستوى هذه الأعمال ، حسب طبيعة وأهداف الجهة المنتجة ، وربما يستسهل بعضهم صناعة هذه المسلسلات لفهم مسبق و خاطئ ، معتقدين ان صناعة الضحك او الموقف الكوميدي اقل صعوبة من العمل الدرامي ، فيما يقول المختصون ان الصعوبة تكمن في الاعمال الكوميدية، فبناء الموقف الكوميدي ليس بالامر الهين ابدا ،لأن هدف هذا الموقف هو اضحاك الناس وهذا الهدف لايتحقق بسهولة ، لذلك نجد الكثير من هذه الاعمال تنحدر الى مستوى هزيل ، لا يثير رغبة المشاهد في استمرار متابعته . 
المتابع لبعض الأعمال الكوميدية التي تعرض على بعض القنوات التلفازية ، يجد ان السخرية هي سلاح هذه الاعمال في محاولة استقطاب المشاهد لمتابعتها . والسخرية كما يعرفها الفرد أدلر "هي خليط من انفعالين هما الغضب والاشمئزاز- فنحن إذ تثور فينا غريزة النفور نشمئز، فإذا عدا الشيء الذي أثار اشمئزازنا على صفاء عيشنا، من أية ناحية من النواحي، بعثت فينا غريزة المقاتلة والانفعال المقترن بها، وهو الغضب، فدفعا الانفعالين بنا إلى السخرية مما بعث اشمئزازنا أو ممن أثاره في نفوسنا. ولا يخلو هذا من عنصر الزهو، لأننا ننزع إلى الرضا عن أنفسنا والاسترواح إلى شعورنا، عقب مطاوعة السخرية والانسياق معها"
وأساليب السخرية عديدة مثل المحاكاة ، السخرية بالصوت ، التصوير المبالغ فيه ، التلاعب اللفظي . فما هو مبرر استخدام السخرية في الأعمال الكوميدية ، وممن تسخر هذه الأعمال. 
الكثير من الأعمال الكوميدية المصرية وكذلك الأفلام السينمائية ، أوجدت انطباعا عند المشاهد العربي ، خصوصا ايام كانت الاعمال المصرية بشقيها الدرامي والكوميدي تتصدر الاعمال التلفزيونية العربية ، قبل دخول البث الفضائي ودخول أعداد كبيرة من الفضائيات على خط البث التلفزيوني ، بان المواطن المصري الصعيدي هو أنسان ساذج ومتخلف غير متحضر ، في حين ان معظم شعراء وعلماء مصر وقادتها هم الصعيد المصري ، هذه الاعمال اثارت احتجاج الكثير من المثقفين والمواطنين المصريين الآخرين ، حتى ان المشاهد يلاحظ انخفاضا واضحا في مستوى التعرض للمواطن الصعيدي في الأعمال التي تنتج حاليا . 
الأعمال الكوميدية العراقية هي الأخرى اتخذت السخرية والاستهزاء من أبناء الجنوب مادة لها رغم ان معظم الممثلين والمخرجين وحتى المنتجين هم من أبناء هذا الجنوب . فهل شحت الأفكار الكوميدية لكي تقتصر هذه أعمال على السخرية والاستهزاء . 
بعض الأعمال الكوميدية ، تعتمد على البهرجة خصوصا في عمل مقدمة وختام هذه الأعمال ، حتى ان بعض المشاهدين يحرصون على مشاهدة مقدمات ونهاية هذه المسلسلات لما تحويه من حشد من الراقصات والديكورات الضخمة . 
مسلسل اكبر كذاب وكذلك تيتي هما افضل دليل على هبوط مستوى الأعمال الكوميدية العراقية ، ولا اعرف سببا واضحا في الإصرار على بقاء ممثل واحد بطلا لعدة أعمال كوميدية ولكل عام ، ولماذا لا يرجع منتجو هذه الأعمال الى رأي المشاهد فيما قدموه من أعمال 
ولو عدنا الى الوراء واستذكرنا عملا كوميديا لم يحقق حضورا فنيا ناجحا بل حقق خلودا في الذاكرة الجمعية للمشاهد العراقي ، ومازال الناس يرددون العديد من عباراته التي قيلت على لسان أبطاله ، كذلك مازالت العديد من القنوات تعيد عرض بعض المقاطع الخاصة به وهو مسلسل " تحت موس الحلاق " للراحل سليم البصري وحمودي الحارثي ، الذي تناول العديد من الظواهر المجتمعية وتصدى لنقدها من خلال موقف كوميدي بناء ، لوجدنا ان ما من مسلسل كوميدي استطاع ان يصل الى مستوى هذا العمل . 
بعض الأعمال الكوميدية تخضع لاشتراطات ومواقف اديولوجية ، حيث الموقف السلبي واضح من الوضع العراقي بعد 2003 ، وربما يقول البعض ان النقد يشكل جانبا مهما في عملية البناء ، وهو رأي رائع ومحترم ، لكن بشرط طرح البديل او الحل في نفس العمل ، لان الاستهزاء والسخرية ربما ينسحبان على الموقف الجماهيري العام فنجد ثمة من يساند هذه السخرية والاستهزاء ، بينما نجد آخرين لايقبلون بذلك وربما يعتبرونها اساءة لهم ، وعلى ضوء ذلك يكون العمل قد اسهم في زرع الفرقة والاحتراب ، بل وتأجيج مشاعر طائفية وعرقية ، والذي استغربه هو موافقة بعض القنوات شبه الرسمية على إنتاج مثل هكذا أعمال ، 
بعض الاعمال الكوميدية جاءت ساذجة وبدون هدف ، بل تتصف بالتكلف الواضح في الاداء ، بسبب ضعف وبؤس الفكرة ، فعمل مثل " واي فاي " الذي يتخذ من السخرية والاستهزاء هدفا له في جلب المشاهدين ، لايختلف كثيرا عن الاعمال الكوميدية الساذجة الاخرى ، بعض المشاهد التي احتوتها حلقات المسلسل ، كانت خالية من أي فعل فني ، بل وضعت كحشو من اجل اكمال وقت الحلقة ، فنلاحظ موقفا يعدونه كوميديا لكنه موقف مترهل وساذج ربما يثر حفيظة المشاهد اكثر مما يثير اعجابه ، فالمشاهد الان لايقبل بان تكون هناك اعمال تسخر من وعيه وذوقه ، خصوصا في جانب الإعجاب بهذا العمل او ذاك . 
أبو الملايين مسلسل كوميدي اخر يشترك فيه نخبة من نجوم الخليج ، ويبدو ان القائمين على العمل قد راهنوا على نجاح هذا العمل بسبب وجود نجمين كوميديين كبيرين فيه هما النجم الكويتي عبد الحسين عبد الرضا بطل العديد من الاعمال الكوميدية الناجحة والتي تابعها الجمهور العربي الخليجي باهتمام كبير ، والنجم السعودي ناصر القصيبي بطل المسلسل الكوميدي الهادف والناجح والذي استمر لأكثر من خمسة عشر عاما " طاش ماطاش " لكن المراهنة على هذين النجمين لم تحقق ما يصبوا اليه منتجو هذا العمل ، لان الفكرة الهادفة والموقف الكوميدي الناجح هما معيار نجاح هذا العمل او ذاك ، وبدونهما لايمكن لاي عمل ان ينجح حتى بوجود نخبة كثيرة من النجوم . وبالتالي لم يكن العمل بالمستوى المطلوب . 
اخيرا نتمنى ان نشاهد في القادم من الاعمال الكوميدية مواقف كوميدية هادفة ، تعمل على إسعاد المشاهد من خلال تحقيق هدف الكوميديا الأول وهو إضحاك الجمهور ، وهو هدف ليس من السهولة تحقيقه ما لم تتضافر جهود صانعي الفيلم ، مؤلفا ، ومخرجا ، وممثلا ، ومنتجا ، على تحقيقه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram