اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > بناء المدينة في العراق ومكانة الطفل فيها

بناء المدينة في العراق ومكانة الطفل فيها

نشر في: 26 يوليو, 2013: 10:01 م

في مقال سابق تم الإشارة الى أن كل عمل تخطيطي يتعلق بالمدينة لابد أن يكون مسبوقا ً بدراسات تمهيدية أهمها دراسة المجموعة المستفيدة Target Group من هذا العمل، فإذا ما تضمن العمل تخطيط المدينة عموما ً فأن عامة المجتمع يصبح هو هذه المجموعة. غير أن المجتمع

في مقال سابق تم الإشارة الى أن كل عمل تخطيطي يتعلق بالمدينة لابد أن يكون مسبوقا ً بدراسات تمهيدية أهمها دراسة المجموعة المستفيدة Target Group من هذا العمل، فإذا ما تضمن العمل تخطيط المدينة عموما ً فأن عامة المجتمع يصبح هو هذه المجموعة. غير أن المجتمع لايمكن عده مجموعة متجانسة في فئاته العمرية وفي متطلباته وأمور عديدة أخرى تستدعي ضرورة تصنيفه الى مجموعات أصغر تبعا ً لمعايير مختلفة يشكل العمر وما يتبعه من شرائط أهمها وأكثـرها واقعية.
يشكل الطفل المجموعة والفئة العمرية الاولى والتي لاتقل أهمية عن بقية الفئات العمرية في المجتمع أن لم تكن أهمها. وهنا لابد من الاشارة الى تناقض ما، اذ يعد الطفل المجموعة الاهم في مجتمعات الدول المتقدمة في حين لايشكل الطفل في العديد منها المجموعة الاكثر عددا ً وخصوصا ً في المجتمعات التي ينخفض فيها معدل النمو السكاني Population Growth Rate ويقترب من الصفر وقد يكون سالبا ً في بعضها ولسنين معينة كالمانيا واليابان، في حين يفقد الطفل أهميته هذه في مجتمعات الدول النامية بالرغم من كونه الفئة الاكثر عددا ً بسبب معدلات النمو العالية فيها.
ويكتسب الطفل كمجموعة في المجتمع أهميته في التخطيط الحضري لاسباب عديدة منها:
- أن عمليات التخطيط الحضري للمدينة ومجتمعها تُبنى في الاساس على مدى التفاعل المستقبلي مع الطفل فالعديد من هذه الخطط يصل مداها الزمني الى 15 سنة أو حتى الى 30 سنة أو اكثر.
- الطفل هو الفئة الاضعف في المجتمع والاشد حاجة الى خدمات مدينية لاتتطلب منه جهدا ً كبيرا ً لتساعده على النمو والتطور جسديا ً وعقليا ً.
- أن توفير الخدمات المدينية الملائمة للطفل تساعد على اعانة الفئات العمرية الاخرى وبالخصوص الفئة العاملة والمنتجة في المجتمع للتفرغ لوظائفها الانتاجية.
مع كل ذلك فأن هناك تناقضا آخر يمكن الاشارة اليه هو أن المدينة مازالت – وحتى في الدول المتقدمة – تُخطط وتُصمم تبعا ً لمعايير Standards الفئات البالغة على العموم، وبالرغم من اعتمادها على بعض الاسس والفلسفات التصميمية الحديثة نوعا ًما والتي تحاول ادخال جميع الفئات العمرية في مقاييسها كمفهوم التصميم العمومي Universal Design والتصميم للجميع Design for All ، فأن المدينة مازالت ملأى بالنقاط والتفاصيل التي تبدو كعوائق أمام الطفل لايمكن له تجاوزها، وان المدينة مازالت تفتقر الى عدد من الخدمات التي تسد حاجات الطفل الفعلية كلها، وان بعض قطاعات المدينة وأجزاءها وخصوصا ً المركزية منها لايجد الطفل فيها مكانا ً له ولايرى نفسه مرحبّا ً فيها.
فما هو حال المدينة في العراق من هذا المنظار؟ من خلال منظار احتياجات الطفل وحضوره ومراعاة مقياسه وامكاناته الجسدية والعقلية؟
ولنحاول رؤية ذلك من خلال المستويات الثلاثة الاساسية للتعامل مع الطفل وعلاقته بالتخطيط الحضري والعمارة.
يتمثل المستوى الاول في الخدمات الضرورية وكذلك الترفيهية التي يحتاجها الطفل كالمدارس ودور الحضانة ورياض الاطفال ومراكز الطفل الثقافية والصالات الرياضية والمكتبات ومسارح الطفل ومتاحفه ومعارضه والحدائق المناسبة له وأماكن اللعب ومستشفيات الطفل ومراكزه الصحية ومؤسسات رعاية الاطفال ومحال تجارة لوازم الاطفال وما الى ذلك، اضافة الى اجزاء أخرى ملحقة بالمدينة وبمبانيها لاداء مثل هذه الوظائف كأقسام معالجة الاطفال في المستشفيات الكبرى وأقسام بحوث الاطفال في مراكز الدراسات أو في ادارات الاعلام.
فما هي خريطة توزيع هذه الخدمات في المدن العراقية؟ وماهي كثافة ونسبة أنتشار هذه الخدمات في مدننا؟ واذا علمنا أن مدن العراق الكبرى تفتقر الى الكثير من هذه المرافق الخدمية المهمة وخاصة للطفل، فما هي حال الاقضية والنواحي؟ وهل سيكون السؤال تهكما ً اذا قلنا ما هي حال القرى العراقية وهل يمتلك بعضها مثل هذه الخدمات؟
أن لهذه الخدمات معايير Standards غالبا ً ماتكون مختلفة عما يقابلها من خدمات للبالغين، من أهمها المسافة التي تفصلها عن الاحياء السكنية المحيطة بها، أو نصف قطر الدائرة التي تقدم فيها هذه المرافق خدماتها، وهناك بعض المدن من تحدد المسافة بين دور الحضانة ورياض الاطفال وبين الدور السكنية على أن لاتزيد على 500 متر وحوالي 200 متر عن ملاعب الاطفال المحلية. فهل لمدننا معايير مماثلة؟
ومن المعايير الاخرى هي أن تقع هذه الخدمات في شبكة مرور آمنة Safe Traffic Net لايحتاج فيها الطفل أو حتى الابوين الى استخدام وسائط نقل معينة بل يمكن بلوغها ضمن مسارات حركة آمنة بعيدة عن وسائل النقل السريعة. فمن يملك الأولوية في مدننا ، السابلة وبالذات الطفل؟ أم السيارة التي تحولت الى آلة تستخدم عند الضرورات وعند عدمها؟ وهل يعطي مخطط المدينة في العراق أهمية لمسارات السابلة كالتي يعطيها لمسارات النقل؟
أما المستوى الثاني فيتمثل في الحضور الفعلي والعملي للطفل في مجمل النسيج الحضري للمدينة، في الشكل العام لمكونات المدينة ومبانيها وكذلك في التفاصيل الصغيرة والكبيرة في كل مرافق المدينة التي من المحتمل أن يكون الطفل أحد مستخدميها، فليس من الهين على الطفل أن يكون قادرا ً على استخدام أجزاء المدينة المصممة طبق مقاييس البالغين. ولمقارنة الطفل بالبالغ ولإدراك هذا الأمر بشكل أوضح يمكن القول أن الطفل وفي حالات عديدة جدا ً لا يختلف كثيرا ً عن البالغ العاجز أو المعاق Handicap - ينحى العالم حاليا ً الى نبذ كلمة معاق لما فيها من أثر نفسي سلبي وأستبدالها بغير المقتدر وظيفيا ً Functional Disable – بل وفي حالات كثيرة يكون الطفل أقل قدرة من هؤلاء لعدم أمتلاكه قدرة الكلام أو لعدم قدرته على الايضاح وأن أمتلك هذه المقدرة.
قد يبدو الامر هينا ً في البدء ولكن هذا المستوى من التعامل مع الطفل هو أكثر صعوبة من سابقه، فهو يتطلب مسحا ً شاملا ً لكل أجزاء المدينة ومحاولة تطبيعها لتكون ملائمة ومنسجمة مع مقدرات الطفل الجسدية والعقلية. ومن ذلك اعادة النظر في تصميم شبكة الحركة والنقل لتكون آمنة ومريحة للطفل، وتنظيم السرع Velocities وكذلك المستويات Levels فيها، والسيطرة على مستويات الصوت والانارة فيها، وأستخدام وسائل النقل الملائمة لذلك، وايجاد مسارات المشي أو الدراجات الهوائية، والاشارات المرورية الضرورية لخدمة هذا الامر. كما يتطلب مسحا ً شاملا ً للمباني ووظائفها وطريقة توزيعها Zoning ، وتحديد مواقعها Locations ، والمسافات الفاصلة فيما بينها، وتصميم مداخلها، وتشمل مسحا ً للفضاءات المفتوحة في المدينة وسبل استخدامها ومدى امكانية استغلالها من قبل الطفل وأمور كثيرة أخرى لايسع المجال لذكرها هنا.
واذا ما أردنا تطبيق هذا الامر على مدننا في العراق فلابد من القول أنها بعيدة بعدا ً شاسعا ً عن انجاز مثل هذه الوظائف لتكون مؤهلة لامتلاك هذا المستوى من التعامل مع الطفل. أن الطفل لايكاد يجد حضوره في مدننا، وأن وجد بعض هذا الحضور فأنه محدود جدا ً ومرتبك ومشوش ومتقطع وغير آمن على الاطلاق.
أما المستوى الثالث للتعامل مع الطفل في بناء المدينة فيتمثل في مشاركة الطفل في اتخاذ القرارات التخطيطية والتصميمية في عملية البناء هذه. وليس المقصود هنا أن يحل الطفل محل المخطط أو المصمم ولكن من خلال وسائل معينة ودراسات وبحوث خاصة بالطفل واحصاءات واقعية معاصرة للتخطيط يمكن معرفة الاراء الواقعية للطفل ورغباته الحقيقية في الحياة المدينية. يتطلب هذا الامر نبذ فكرة التعنت التي اعتاد المخطط والمعمار اتباعها في فرض آرائه دون الرجوع الى آراء المستخدمين الفعليين للمدينة بما فيهم الاطفال، وهو اتجاه بدأت الكثير من الدول وخاصة التي تنعم بالديمقراطية الى اتخاذه.
هناك وسائل وطرق بحثية جديدة بدأت العديد من المدارس المعمارية والتخطيطية باتباعها في العقود الاخيرة لدراسة آراء ساكني المدينة بكل فئاتهم العمرية وخاصة الاطفال لتضمينها في الدراسات التمهيدية قبل البدء بالتصميم. من هذه الطرق ما تسمى برسم الخرائط العقلية أو خرائط الادراك Cognitive Maps والتي تتطلب متابعة الطفل ومعرفة نقاط حركته وتنقله خلال المدينة دون التأثير عليه، وطريقة أخرى تسمى Going Turn أي جولة للمشي يرافق فيها الدارس الطفل في مسار معين وملاحظة كل أفعاله وردودها لاستقراء طريقة تفكيره وتعامله مع المدينة ومافيها.
يشكل الاطفال ( 0-15 سنة ) في العراق نسبة تقرب من 38 % من عدد السكان وهو جزء لايمكن الاستهانة به مطلقا ً كمكون من مكونات المجتمع، فلماذا نستهين به حين نخطط مدننا؟ ولماذا نقسرهم على اتباع معايير ومقاييس تخصنا نحن البالغين ونحن ندرك جيدا ً انها وضعت من أجلنا نحن لا هم؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram