TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الهيوا البصرية

الهيوا البصرية

نشر في: 26 يوليو, 2013: 10:01 م

كتبت في عمودي السابق عن بعض الملاحظات التي تجمعت عندي أثناء زيارتي للبصرة، وأريد أن اكتب اليوم عن المزيد مما أجده جديراً بالاهتمام ولا يتناسب مع تاريخ هذه المدينة العريق ولا مع تنوعها السكاني الجميل.
الملاحظة الأولى تتعلق بصراع وجدته آخذاً بالاتساع بين البصريين من جهة، وبين الوافدين إليهم من محافظتي ذي قار وميسان، فالبصريون يجدون أن أعداد النازحين إليهم أصبحت كبيرة، وأن الأعم الأغلب من عمليات النزوح تحدث بشكل غير قانوني، بمعنى أن النازح لا ينقل نفوسه أو بطاقته التموينية لتتحول، على الأقل، حصته في الميزانية العامة من المحافظة التي ولد بها إلى البصرة التي يريد أن يستقر فيها. ومن المعلوم أن مثل هذا الانتقال يعرض البنى التحتية والخدمات الخاصة بالمحافظة إلى أثقال لا تتحملها، وهو ما ينعكس على شكل مزيد من المتاعب للمواطنين. المؤلم بالموضوع أن المشاكل التي أدت إلى النزوح والتي يتم إهمالها في محافظتي ميسان وذي قار، أخذت تتحول إلى ضغائن بين مواطني البلد الواحد. من هنا يجب على كل حكومة محلية أن تتحمل مسؤولياتها بشكل كامل وأن لا تلقي بأعباء فشلها على الآخرين إلى درجة تعرض لحمة البلد الواحد إلى الخطر، فليس هناك مواطن يفضل ترك مكانه الذي ولد فيه لو وجد فيه ما يلبي الحد المعقول من احتياجاته.
الملاحظة الثانية تتعلق بالأولى، فخلال اتصالاتي ببعض الأصدقاء البصريين من مثقفين وسياسيين ونشطاء مدنيين، اكتشفت بأنهم يركزون بشكل اكبر على التأثيرات الثقافية التي تسببت بها عمليات النزوح الكبيرة، حيث يؤكدون بأن لكل محافظة من محافظات العراق طابعها الخاص، ولستةٌ مختلفة من القواعد والأعراف والتقاليد. وأن النازح يجلب معه ثقافته ويحاول ترسيخها حيث يستقر، ومن هنا فهم يُحَمّلون النزوح غير القانوني مسؤولية الكثير من مظاهر التغير في الثقافة البصرية، منها على سبيل المثال اختفاء فرق الهيوا البصرية، التي يقولون بأنها كانت تفترش ارض الكورنيش في الأمسيات وتوزع فنها على الناس مجاناً، اختفاءها إلى درجة تُعرض فنها إلى الاندثار. ومنها امتناع راديو البصرة عن بث الأغاني تحت شعار إنها منافية للذائقة البصرية، متسائلين: متى كان الغناء منافياً لذائقة بلد الهيوا؟
انحدر عائلياً من محافظة ميسان، لكنني كمهتم بالانثربولوجيا لا استطيع ان اتجاهل خطورة اختفاء الملامح الثقافية، والهيوا البصرية مهمة بقدر اهمية طور المحمداوي، وكلاهما يستحقان من الحكومات المحلية الاهتمام نفسه الذي يتم توجيهه نحو مفردات الثقافة الإسلامية، من مزارات مقدسة وطقوس دينية، التي هي الأخرى مفردات تستحق الرعاية والاهتمام، فملامح الثقافة تشبه ملامح الوجه الإنساني، وأي تفريط بجزء منها يعرض الكل إلى التشوه، الميزانية ميزانية كل العراقيين بمختلف مكوناتهم، وصرفها بشكل انتقائي يمثل نحواً من أنحاء السرقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. احمد الامارة

    هذا الكلام غير دقيق ويفتقر للكثير من المعلومات ويحاول الخلط بين امور غير مترابطة مما جعل المقال مفكك ، الهيوة رقصة قديمةاصولها افريقية اتت مع الرق قبل مئات السنين وفي فترة الحصار حيث انشغال الناس بمارثون البحث ع اللقمة بدات هذه الرقصة بالتلاشي شيئا فشيئا

  2. مرتضى الناصري

    انا اعتقد ان هذا لا يتعلق بالوافدين اي غياب الفن وانما هو يتعلق باعادت اسلمت كل مضاهر الحياة فالاسلاميين يريدون ان يطوعوا كل شيء وفق رؤيتهم وهذا لا يتعلق فقط بالبصرة وانما تقريبا باغلب محافضة العراق فالناصرية على سبيل المثال ايضا مشهور بالغناء الريفي ولك

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram