من يقل انه كان يتوقع هذا الذي يحدث بمصر اليوم، يصعب علي تصديقه. شعب يضع الجيش أمام "لا خيار" غير ان يصطف معه ليعزل رئيساً منتخباً كي ينقذ البلد من حرب أهلية لا مفر منها، شيء لم يفاجئ كبار مفكري السياسة، وحسب، بل فاجأ دول العالم كلها وفي مقدمتها الدولة الكبرى. أفضل وصف لما حدث كان تحليلا لكاتب غربي قال فيه، ما معناه، ان المصريين انتجوا سلطة خارج تصانيف السلطات المتعارف عليها كالتشريعية والتنفيذية والقضائية. فعلا انه شيء مختلف تماما ويحتاج وقفة تأملية طويلة وان يطرح على مراكز بحثية مختصة بعلم السياسة والاجتماع لتفسيره.
من يعش مع المصريين عن قرب ويتفاعل معهم، يحتاج بدءا إلى إزاحة الصور القبلية التي يحملها عنهم ويبدلها بنظرة موضوعية ان استطاع، كي يفهمهم جيدا. من صدّق، او مازال يصدّق، انهم "قوم يجمعهم الطبل وتفرقهم العصا" يحتاج الى مراجعة تفكيره. ان ما يحدث اليوم في شوارع مصر وميادينها يفرض مراجعة أغلب، اوكل، ما ورد في التراث العربي من قول بحق الشعوب، مدحاً او ذماً. ومن كان فيكم هناك يوم30/6 مثلي، لن ألومه لو قال ان تاريخنا كله، وليس بعضه، يحتاج الى "فرمتة".
إن سألتموني، انا الذي عشت بينهم زمنا ليس بالقليل، عن أول انطباع علق بذهني حول المصريين سأجيبكم على الفور انهم أمة وانهم شعب يمتلك ذاكرة مضيئة ترغمني على ان اردد مع نفسي، في اليوم اكثر من مرة، ما سأله عريان في واحدة من قصائده: وج يسنينه شبينه؟ نعم، ستجد فيهم من يغشك ويتحايل عليك من أجل المال الى حد انك قد تحكم بان الغش عندهم ظاهرة أو سجية. لكنك إن تعلمت الصبر، قبل أن تحكم، ستجد ذلك طبيعيا بفعل شدة الفقر وضغط الحاجة المرّة.
خذوا "السبّاك" المصري الذي نسميه بالعراق "ابو البوريات" أو "مصلّح البوريات"، كمثال. لا أحد في مصر لا يحذرك منه. ستجد أعمدة صحفية وكتباً عن بلاوي "السبّاكين" وحيلهم. لكن هذا "الحيّال" طلبته، ليصلح لي حنفية بعد ثورة الشارع المصري الجديدة، فاخذ مني أضعاف ما يستحقه من أجر. لم أغضب ولم أرده. أتعرفون لماذا؟ لأنه عندما سألته رأيه عما يحدث لأتعرف على رأي البسطاء من الناس رد علي: ان ما يحدث اليوم ليس كثيرا على شعب أنجب الشيخ علي عبد الرازق؟
عش هناك وستعرف ببساطة ان هذا الشعب يحمل "ذهنية" mentality، من نوع لا تجده عند اي شعب من الشعوب العربية الأخرى.
ولو كنت اكتب مقالا وليس عمودا، لأبحرت في تفاصيل اكثر. أقول هذا مفترضا أن القارئ اللبيب يعرف الفرق بين الاثنين. ولأنه عمود يفرض على كاتبه التكثيف والاختصار، ساترك لكم الرابط التالي (*). شاهدوه واقرأوا التعليقات التي تحت الفيديو لتروا الفرق بين تفكير المصريين "واشقائهم" العرب. ثم وهذا هو الأهم برأيي، انه سيطمئن كل تواق للخلاص من أنظمة الحكم الظلامية بان أيام ظلامهم زائلة لا محال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الرابط طويل من حيث عدد الكلمات، لذا سأضع عنوانه الفرعي لتبحثوا عنه في "جوجل": "بالفيديو .. جنود الجيش المصري يرقصون مع الفتيات أمام الاتحادية".
عش بمصر وشوف
[post-views]
نشر في: 27 يوليو, 2013: 10:01 م