لطالما صرح الفيلسوف الفرنسي ادغار موران المعني بالدراسات المستقبلية في حواراته المهمة بأن ( كل ما لا يتجدد يتدهور )، هو نفسه يتجدد ويتمرد على الزمن ففي التسعين من عمره يبادره صحفي بسؤال عن تناقضاته الفكرية فيقول (ولكنّي أودّ أيضا أن نتحدّث عن الحبّ، عن طريقة الحبّ، ذلك أنّ الحبّ قوّة حيويّة تحيينا، إنّ أحزان الحبّ تسحقنا ،ولكنّ اللّقاءات الجديدة تلهمنا وتنشّطنا، يجب أيضا أن نعرف كيف نحبّ) ويعترف وهو يقدم رفيقته الجميلة للصحفي بأنهما يعيشان حالة حب ويبحثان عن مكان منزوٍ لحياتهما القادمة ، موران رجل المستقبل فتيّ الروح والقلب يعيش للمستقبل ولا يلتفت الى التقييمات المجتمعية حول أفول العمر والنهايات لأنه يبتكر أسلوب حياة يليق به وبفكره وفلسفته .
يناقش موران في مبحثه ( إلى أين يسير العالم ) معضلة الأزمة العولمية ، وعبر تفكيكه لأزمة التحولات يقدم لنا منظورا مركبا لأحوال عالمنا ومصير الكوكب ، ويقول بنوع من الوثوقية أن ( التطور يميل إلى التحطيم الذاتي ) ويعني هذا إن البشرية تلقي بنفسها في عالم تخاله متجها إلى الغد وماضيا بها وبأحلامها نحو المستقبل ، ولا تعلم هذه البشرية أن هذا العالم هو في حالة ثورة وفي طور تقدم وفي أزمة مستمرة وخطر قائم ، وأن هذه المفاهيم متشابكة فالثورة مرتبطة بالتطور والتقهقر والأزمة وتترابط هذه المفاهيم مع بعضها وتجعلنا نعيش في اللحظة ذاتها حال الثورة والتقدم والتقهقر ونقف حائرين غير عارفين أي من هذه المفاهيم سيكون حاسما في النهاية .
يعتقد موران أن ترابط المصائر بفعل التقارب الثقافي والتقني والاقتصادي والأيدولوجي والمعلوماتي يخلق مشهدا فوضويا فالانعكاسات والتأثيرات المتبادلة بلغت حدا يصعب معه التراجع الى انغلاق القارات القديم وانعزال الأجناس البشرية والتواريخ الخاصة بكل منها ، دون ان ننسى التأثر والترابط في المستوى البيولوجي أيضا فيما يسميه موران ( الاتحاد الميكروبي كوباء الانفلونزا الذي يتخذ مسارا عولميا ، وكذلك التزاوج المتزايد بين الأجناس المختلفة) ويفترض ان هذه التأثيرات جعلت الزمن الإنساني زمنا واحدا في جميع القارات مما يعني ارتباط المصائر البشرية بالأحداث الحاصلة على كوكبنا من حروب وكوارث وفوضى عارمة.
يضع أدغار موران الإنسان العولمي أمام الحقيقة لعله يدرك عقم تعويله على الخلاص التاريخي 🙁 لاوجود لخلاص تاريخي ولسنا مهيئين للحل النهائي، ولن نخرج من التاريخ بل على العكس ان دخول أرواحنا للتاريخ ضروري وحيوي تماما وسيصاحبه غرق واختناق ). على المستوى الإنسانيّ يرى اننا لا نزال همجيين : ذلك أنّ العمى عن الذّات وعدم فهم الغير يعبّران عن نفسهما على مستوى المجتمعات والشّعوب حروبا و في العلاقات الشّخصيّة داخل الأسرة بين الأزواج فالكثير منهم ينفصلون وتشبه هذه الصّراعات معارك حربيّة مبنيّة على الكراهية ورفض فهم الآخر وهناك أزواج يتعايشون مظهريا لكنهم يتحفزون للمواجهة في أية لحظة كمثل حال الشعوب التي ترفض الآخر وان النزعة الهمجيّة فينا على استعداد دائم للانبثاق داخل كلّ إنسان متحضّر.
و يتعطف موران علينا فيبث شيئا من الأمل للبشرية مؤكدا أن من السهل تآلف البشرية في وحدة دون أن تكف عن تنوعها ويقترح مثالا بيولوجيا عن الجسم الإنساني الذي يشكل كل عضو فيه جمهورية من ثلاثين مليار خلية متعاونة فيما بينها ، فلماذا لا يمكن ان تتآلف بضع مئات من الشعوب و تحيا بسلام وتآلف ودون حروب ؟
يتبع
أدغار موران: الحب قوة حيوية ولن تخرج البشرية من التاريخ
[post-views]
نشر في: 27 يوليو, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
Falah Hekmat
مقال أنيق لسيدة الرفي ( لطفية الدليمي ) تستكمل فيه مقالا سابقا عن الفيلسوف الفرنسي (أدغار موران ) و لمعات من فكره المضئ : أبتداء من أدق التفاصيل الشخصية التي تدور حول البحث عن سكن بسيط منعزل مع المحبوب الأثير الى نغوسنا , مرورا بالازمات العولمية التي تجتا
هدى
إن ادغار موران من المفكرين الذين حملوا على عاتقهم مهمة الدعوة الى التجدد و التجديد سواء في طرق عيشنا أو تفكيرنا الذي أصبح حسب رأيه براغماتيا نفعيا لا يأبه لما يفعله بانسانيته التي تناساها