مؤكد أن سعي الإدارة الأميركية، لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لم يكن نابعاً من الرغبة في إحقاق الحق، بقدر ما كان هدفها منع انفجار بركان الغضب في المناطق الفلسطينية، وعلى أمل التوصل إلى حل نهائي، يلبي كل طلبات نتنياهو، وإيقاظ حالة من الأمل العربي، بالتوصل إلى التسوية المأمولة، فيما تستكمل مقومات الدولة المؤقتة، المرتبطة بجدار الفصل العنصري، ولا مانع في المستقبل، من تطوير عضويتها في الأمم المتحدة إلى عضو دائم.
سريّة المفاوضات المُقبلة، مثيرةٌ للقلق وخطيرة، فأيّ اتفاق ينتقص من الحقوق الوطنية للفلسطينيين، خاصةً وأن المفاوض الفلسطيني في أضعف حالاته، ووحيد في ظل انشغالات الدول العربية بما تواجه من أزمات، سيفجر ثورة تأكل الأخضر واليابس، لأنّ الشعب الفلسطيني بعد كل تضحياته، لن يقبل باستمرار الاستيطان والتهويد، أو دفن قضيته الوطنية بدولة مؤقتة، في حدود جدار الفصل العنصري .
رفضت بعض الفصائل الفلسطينية العودة إلى التفاوض، لكن هذا الرفض سيظل عدمياً، إن لم يترافق مع بناء البدائل، وهو في كل الأحوال سيطيل أمد انتظار الشعب الفلسطيني، فيما أرضه وحقوقه ومقدساته، تتسرب كالرمل من بين أصابعه، وهنا فإن المطلوب، هو اعتماد ستراتيجية حشد أوراق القوة وعناصر الضغط على الجانب الآخر، على قاعدة الإيمان العميق، بضرورة بناء وتفعيل عناصر القوة والاقتدار، عند الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية، ما يُحيل المفاوضات إلى قرار تكتيكي، قابل للتحرك في اتجاهي القبول أو الرفض، وبما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا.
لايتوقع حتّى المتفائلون، نجاح هذه الجولة من المفاوضات، التي وجدت القيادة الفلسطينية نفسها مضطرة للانخراط فيها، وهي ستستغرق شهوراً قبل إعلان فشلها في جسر الهوة بين الطرفين، وهنا يتعيّن على القيادة العمل بكل طاقتها لتقليل حجم الأضرار، ورُبّما يكون استئناف مساعي المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، في طليعة الأولويات، وعدم انتظار أن تؤثر التطورات الإقليمية، التي يُروّج البعض أنها ستؤثر على حماس على مشروع المصالحة.
ما ينبغي أن يترافق مع المفاوضات، هو تطوير المقاومة الشعبية بكل أشكالها، ضد الاستيطان والجدار والتهويد، فهذه المقاومة، هي وحدها القادرة على وقف الاستيطان والتوسع، كخطوة أولى يليها تفكيك المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وبغير ذلك، سنكون قدمنا لنتنياهو انتصاراً مجانياً على طبق من ذهب، ودفعنا ثمن ذلك ثلاث سنوات من الجمود، استغلّتها الدولة العبرية لخلق حقائق جديدة على الأرض، تُطيل أزمان التفاوض.
لم يكن توقف المفاوضات ليعني الكثير عند الإسرائيليين، سوى خشية أن يؤدي ذلك إلى اندلاع انتفاضة جديدة، فخلال تلك الفترة تمتّعت الدولة العبرية بالأمن، بسبب التزام السلطة بالاتفاقات المعقودة معها، وعملياً استمر التنسيق الأمني، وسعى نتنياهو للتخلص من بعض بؤر التوتر، فنقل الصلاحيات في تلك المناطق إلى ولاية السلطة، واحتفظ بحق قواته في دخولها، ساعة يرى أن مصلحته تتطلب ذلك، ودون أن تمتلك السلطة حق الاعتراض.
وبعد، فان السؤال هل يذهب المفاوض الفلسطيني إلى واشنطن، للاتفاق على الحل الانتقالي بعيد المدى، أوالدولة المؤقتة، أوالسلام الاقتصادي، الذي يخطط له نتنياهو، ويحظى بإجماع السياسيين اليمينيين، باعتباره الحل النهائي، فيما تتبنّاه واشنطن وتدعمه مالياً بسخاء، على أن يكون خطوةً في الطريق، أو يتمسك بحقوق شعبه الوطنية، سننتظر طويلاً قبل أن نعرف الجواب.
الفلسطينيون والعودة للتفاوض
[post-views]
نشر في: 27 يوليو, 2013: 10:01 م