لا يتصور أحد منكم أنني اسخر، فانتقادنا الشديد لأداء الطبقة السياسية، لا ينبغي ان يتحول إلى شتيمة مطلقة، وفي نهاية المطاف فإن البرلمان تقليد نتعلم من خلاله كيف تقلص الأمم أخطاءها. انه حين يتكامل، مرآة لما يفعله الشعب والحكومة، وبرلماننا يتطور بالتأكيد، وقد تقدم خطوات مهمة في دورته الحالية وسيذكر مؤرخو الحقب أن البرلمان في ٢٠١٣ لا يقاس بحالة الدوار النيابي المزمن عام ٢٠٠٧.
إن الشركات الشاطرة تبذل الكثير من المال كي تقلص ارتكابها للاخطاء، وكي تتعلم. والبرلمان افضل درس يومي يجعلنا نتعلم، شعبا ونخبة سياسية واجتماعية. ولذلك فان وضع ٣٠٠ مليون دولار موازنة للبرلمان ليس أمراً كثيراً على بلد مثل العراق، ولن اسمح لنفسي أن اسخر من تخصيص ٣ ملايين دولار لإيفادات الأعضاء، وانا اتمنى للاعضاء الذين انتخبتهم عائلتي وعوائلكم، أن يراكموا خبرتهم بالسفر، لعل خيالهم يزداد خصباً، ولعل "شعورهم بالعار" يتحول إلى فعل شجاع.
ولن ايأس، لا في هذه الدورة ولا الدورة المقبلة، لان التدريب على الحرية يستحق المليارات. ولن ايأس لان بديل البرلمانات المنتخبة سيكون حاكما احمق يشبه صدام حسين، يفتح شهيته لإخضاع جيرانه ويورطنا بألف امر مثير للنواح واللطم.
لكن الاعتراض على موازنة مجلس النواب امر جيد، وينبغي للبرلمان أن يتعلم، لانه الطرف الاكثر حظا وامكانية في التعلم. وعليه ان يوضح للشعب بنود موازنته التي عرضها بوضوح، وبالمناسبة فهي المرة الاولى التي نطلع فيها على تفاصيل موازنة البرلمان. ونريد ان نعرف في الوقت ذاته، تفاصيل موازنة مجلس الوزراء التي وضعها المستشارون العظام. كم دراجة هوائية يريد السلطان ان يشتري لمجلس الوزراء؟
ويحسن بجميع الذين يصرخون بشكل مطلق في وجه البرلمان ان يتذكروا، ان اعضاء شجعانا واذكياء اصدروا ويعملون على اصدار، حزمة قوانين وتشريعات ذات طابع اصلاحي عميق في الاونة الاخيرة، جعلت المالكي الطامح لابتلاع كل شيء، يغضب ويثور ويأمر كتلته بمغادرة القاعة، ويتوسل بالقاضي المحمود ليطعن، والقاضي يرد عليه: القوانين تكاثرت، والطعن فيها سيصبح بمثابة الغاء للبرلمان، ومن سيتورط في هذا؟
ووسط كل حبي الشديد للبرلمان، وحماسي له ولثلة من الاذكياء والمثابرين والشجعان داخله، فانني مستعد لجمع تبرعات تفوق موازنة البرلمان وتكفي لشراء ٣٠٠ مليون دراجة هوائية وإهدائها للنواب دون السؤال عن حكمة الامر، لكن شرطي الوحيد هو ان يقوموا بفعل كبير حيال الفضائح المتتالية.
ان فضيحة سجن ابي غريب اذا مرت دون مساءلة فإن حتى شديدي التفاؤل امثالي بالبرلمان ومستقبله، سيصابون بخيبة سلبية رهيبة. وقد مللنا من سماع الاعتذار التقليدي بأن المالكي يرفض حضور اي من فريقه للاستجواب. وكما استطاع الشباب في البصرة والناصرية ان يتظاهروا في المساءات الصيفية، فيمكن للنواب ان يسدوا طريق المالكي ويقفوا "امام دربونته" اعتراضا على تجاهله للبرلمان. وفي وسعهم اللجوء لابتكار اساليب كثيرة تمنحنا أملاً بأن آلية المراقبة تمتلك جذوة تصحيح مستقبلية جديرة بالانتظار.
ان مرور فضيحة ابو غريب دون فعل مختلف من قبل النواب، يعني ان المجلس موافق على استمرار الذبح، وهو مشارك في خطط المالكي الذي يعتقد انه "جنرال بالفطرة" حسب تصريحه الاخير على شاشة العراقية، وزعمه انه انقذ جيوش بريطانيا وأميركا في بصرة ٢٠٠٨.
كما لا نريد من البرلمان توضيحا بشأن موازنته، بل نريده أيضاً ان يكشف لنا ولاول مرة تفاصيل موازنة مكتب المالكي، لنعرف كم دراجة هوائية يريد أن يشتري رئيس الوزراء.
وليت الامر توقف عند "البايسكلات" هذه، ففي نزوة عراقية اميركية مشتركة، سنشتري حسب المدى برس وبي بي سي، ٥٠ عجلة سترايكر فقط، بقيمة ٩٠٠ مليون دولار. و"الميزة" انها عربات محصنة ضد الاشعاع النووي. وكيف نتخيل اولوياتنا، مع خمسين عجلة مضادة للنووي في بلد يهرب من سجنه الاعظم ٨٠٠ قيادي خطير في القاعدة، الى درجة تصيب الانتربول بالقلق.
ان الموقف يتطور، والوضع النفسي لفريق السلطة ينفلت كما لم ينفلت من قبل. وقد تظاهر الشعب في كل مكان، ولم يعد بالامكان سماع التبرير التقليدي حول امتناع المالكي عن حضور المساءلة النيابية.
نحن نحب البرلمان، ولا امل دون وجود هيئة رقابة وتشريع منتخبة تطور اداءها. لكن، ما الضرر ان جرب ١٠٠ نائب يوما، ان يتظاهروا مثل الشعب، داخل المنطقة الخضراء، امام "دربونة المالكي" قبل ان يشتري العربات النووية، وحينها "بس الله يستر".
عن حبي للبرلمان و"دربونة السلطان"
[post-views]
نشر في: 27 يوليو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 2
آريين آمد
دائما اشعر بارتياح شديد كلما قرأت لك .... يعيش قلمك
محمد نعيم القريشي
موازنة البرلمان هي تكملة لمسلسلات الفساد المستشري في جميع المؤسسات اذا كان هناك مؤسسات حقيقية وكيف تطلب يااستاذ سرمد من السادة النواب المراقبة والتظاهر على الحكومة فهم كما يقول المثل العراقي عصفور كفل زرزور وثنينهم طيارة