ما أسوأ الحوار عندما يتجاوز حدود الأدب، هذه العبارة التي توقفت عليها عندما استمعت الى حوار دار بين اثنين ممن يظنان نفسيهما من المصلحين كل على طريقته الخاصة.. هذه العبارة استوقفتني كثيرًا، وهي جديرة بأن نقف عندها طويلاً ونحن نرى بعضًا من السياسيين والبرلمانيين يتصارعون على القنوات الفضائية فيما يشبه صراع الديكة، وهم الذين يمثلون جهات حزبية ورسمية كما يظنون أنفسهم، أو كما يفترض فيهم بحكم ما لهم في نفوس الناس من احترام مبني على حسن النية والعاطفة التي أصبحت موجهًا عشوائيًا لمشاعر الناس، دون الالتفات إلى حقائق الأمور وما تخفيه من وجوه أخرى لا تبرز إلا عندما تثيرها بعض المواقف بدافع الدفاع عن الذات، لا الدفاع عن الحقيقة.
صراع يبعث على التقزز عندما يتعدى حدود الأدب، ويتحول إلى نوع من الردح الذي لا يليق بأي إنسان سوي، فكيف إذا كان هذا الإنسان من يعتبر نفسه انه سياسي محنك في هذا الوطن المنكوب حتى بأبنائه الذين لا يعرفون أصول الحوار وقواعده، وبعضهم من يلبس معطف الدين، وإذا هو أبعد الناس عن هذا الدين بصراخه وعصبيته وسلاطة لسانه، وما ذلك إلا دليل على ضعف الحجة، لأن من يملك دليلاً على صحة موقفه لا يحتاج إلى الضجيج وإثارة الزوابع الكلامية التي لا تخدم أحدًا بقدر ما تسيء لقائلها من حيث أراد أن تسيء إلى غيره، وليس هناك ما هو أسهل من كيل التهم، وتوجيه دفة الحوار في طريق التضليل، لصرف المشاهد أو المستمع عن الحقيقة.
بل أن بعض الدعاة الذين أوصاهم الدين الحنيف ونحن في هذا الشهر الكريم بالحكمة والموعظة الحسنة لا يتورعون عن استخدام عبارات وألفاظ تأباها النفس ويمحقها الذوق، ولا تستقيم مع مكانة من يتلفظ بها، ولا تتناسب مع رسالة المنبر الإعلامي الذي تنطلق منه تلك العبارات والألفاظ، وهذا أسلوب ممجوج، يستخف بوعي المشاهد والمستمع، وهي مصيبة هؤلاء الذين يعتقدون أنهم وحدهم من يملكون الحقيقة، ويتناسون أن في غيرهم من هم أكثر علما ووعيا وفهما منهم، وكل ما في الأمر أن الصدف هي التي قادتهم لتصدر المنابر الإعلامية في بعض الفضائيات أو الإذاعات ، مع أنهم في ميزان الرأي لا يشكلون أي ثقل حقيقي بدليل الأساليب المعوجة التي يلجأون إليها في حواراتهم حول أمور لا تستحق هذا الجدل المثار حولها، وربما كانت أقل من أن تلفت النظر، لولا التركيز عليها من قبل أناس لا هم لهم سوى البحث عن عيوب الآخرين، وكأنهم أوصياء الله على خلقه، ودون تفكير فيما قد يخلفه ذلك من سلبيات على المجتمع وأفراده.
ثمة أساليب للحوار لا ينبغي تجاهلها أو التغافل عنها لمجرد الرغبة في إثبات الرأي مهما كان ضعيفًا، والإصرار على الموقف مهما كان هشا، ولا سبيل إلى ذلك سوى بتبادل التهم من ناحية، وتسفيه الرأي من ناحية أخرى، وبين هذا وذلك تحلق على أجواء الحوار الكلمات النابية والتهم الباطلة، وتبادل ألفاظ من العيار الثقيل، التي تتعدى كل حدود الأدب والرزانة والتعقل، وبشكل لا يليق أن يلجأ إليه من يصنفون أنفسهم في قائمة المصلحين لهذا البلد ، وأين الإصلاح في النزول بالحوار إلى الدرك الأسفل من التشنج والانفعال والتمادي في باطل القول وهجينه.
نعم .. ما أسوأ الحوار عندما يتجاوز الأدب، فارحمونا يرحمكم الله، فقد مللنا من هذه الأساليب التي تضر أكثر مما تنفع، وتسيء أكثر مما تحسن. والله المستعان.
رمضان.. وحوار الفضائيات
[post-views]
نشر في: 28 يوليو, 2013: 10:01 م