لا أعرفه، ولم ألتقه، وليست لي معرفة بتاريخه وسيرته. وكل هذه اللاءات، يمكن ان تشكل مطبّات لكتابة تقييمية، تتناول جسارة رجلٍ، رأى بعينه ووجدانه ما حرّكَ ضميره، لينهض وحده، غير مبالٍ إن كان وحيداً، او ظل بلا سندٍ ممن يرفع الراية عنهم، منزّهاً عن الغرض،
لا أعرفه، ولم ألتقه، وليست لي معرفة بتاريخه وسيرته.
وكل هذه اللاءات، يمكن ان تشكل مطبّات لكتابة تقييمية، تتناول جسارة رجلٍ، رأى بعينه ووجدانه ما حرّكَ ضميره، لينهض وحده، غير مبالٍ إن كان وحيداً، او ظل بلا سندٍ ممن يرفع الراية عنهم، منزّهاً عن الغرض، محمياً بصفاء سريرته وحسن مقاصده، مترفعاً لا يكسر عزيمته، الخوف الشخصي.
اعرف ان عبد الزهرة الشيّال، سبعينيٌ متقاعد، ملمومٌ على همومه وشقائه، ويدرك بسجيّته وانتباهته، انه في هذا يتشارك مع الناس الملتاعين مثله، من المهمشين والقاطنين في بيوت الصفيح، وفي جوار مكبّات الزبالة، والعاطلين والعاجزين، والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة واليتامى. بل هو يعرف، كما يبدو من فرادة مبادرته وما ينطوي عليه من عزيمة وإباء، انه شريك المعاناة وضحية الاستباحات مع الشعب العراقي، دون تمييز بين اكثـريتهم المطلقة، سوى اللصوص وآكلي السحت والقابضين على مفاتيح ثروتنا ومصادر إرادتنا، المتلفعين بالدين الذي يتمسك بقيمه وطقوسه عبد الزهرة الشيّال، على العكس من اكثـرهم ممن لا دين ولا مذهب ولا قيم، تردعهم عما يرتكبون من كبائر باسمه، وتحت آياته الكريمة.
ولهذا يواصل الشيٌال الاحتجاج، بلا شكوى او ضيقٍ او نميمة، على من لا يتحرك للانضمام اليه في الاحتجاج.
السبعيني عبد الزهرة، يتسامى فوق شعوره الدفين، على بعض الشك الذي يراوده، حول مصير احتجاجه، ونهاية معاناته مع الملايين من العراقيين الذين يُستضامون، ويكتشفون صباح كل يومٍ بان السلطان الجائر، ليس معنياً بمصابهم، مادام محمياً حتى الآن بالخديعة والوهم، من أن "بيت السيد مأمونة"، مثل كل الطامعين من حكام الصدفة، وأشباه رجال الدولة، الملوثين بالفساد والتواطؤ على الشعب، ووعاظ السلاطين، من أشباه المثقفين المصابين بلوثة الطائفية، والمعتاشين على فتات السراق واللئام.
والاحتجاج، مثل ما يتبدّى في لحظة سباتٍ وتردد، كطريق للمعصية، تمرد على الذات، على المخاوف الصغيرة، والحسابات الخاسرة، بمقاييس القيم والمآثر الكبرى، قبل ان يكون إشهاراً بالنهوض في وجه الاستبداد والظلم والتعدي. وقد يبدو الاحتجاج أحياناً، جدولاً جفت مياهه، وتيبست قيعانه، لكنه يتحول، مع كل رشقة امل تتلبس محتجاً جديداً، الى جدول يفيض ويتصاعد ويجتاح، ويصبح نهراً يجرش في طريق سريانه، ما تكلس في القيعان، وما ظهر في السطح من الزبد والأوحال..
لن يقوى مكر السلطان وولاته، على خنق احتجاج الشيّال، حتى اذا ناله الإرهاق والتعب، فالمأثرة بحد ذاتها تظل تنشر الأريج، وتستنفر الهمم، وتقوي العزائم الخائرة، وتحتج على صمت المظلوم، والمحروم، والمغلوب على أمره.
ولست ادري، هل أتيحت للشيّال في غمرة انشغاله، قراءة تاريخ مدينته.. "الناصرية"...؟ وهل عرف من أعيانها مآثرها..؟ وهل استرجع معهم أطياف "الشيّالين" الذين تركوا بصماتهم، بإقدامهم وتضحياتهم واحتجاجاتهم المدوّية في كل أرجاء الوطن، لتؤشر في ذاك الزمن المتوهج، لمرحلة الأمل والتغيير؟
لقد تركت تواً بصمتك، مثل رعيلٍ من الملتاعين قبلك في تاريخ مدينتك، الناصرية، لا بل ستصبح مأثرتك الصامتة، تميمة " نشيلها " فوق صدورنا، نستمد منها فكرة الخروج على المألوف في الاحتجاج، وحس العدالة، والتمرد على الضيم، والانفتاح على الأمل والمرتجى...
في طَلّةِ الشّيال، ظلٌ لأبي ذر الغفاري، ومثله يحمل همَّ العامَّة من المتقاعسين عن منازلة السلطان، ولو بأصغري المرء، قلبه ولسانه..
واذا لم يجد الشيّال بعد الصدى الذي يبشر بتلاقح احتجاجه مع صيحات آخرين، في العاصمة المثلومة، المنحورة على الطريقة الاسلاموية، فله ان يفخر بان حَمَلَة مبادرة المليون توقيع تتربص، وتتهيأ، وتستجمع القوى لتنزل الى الشوارع، وتنتشر بأوراقها البيض، في كل المدن والأرياف، تُبشر وتتحاور، وتستدعي الهمم، مستقوية بإيمانها وقناعتها، ونفاد صبرها، كما هو عليه.
وفي البصرة رهطُ من شبيبة هذا الزمان، يتمردون على الحيف الذي يلحق مدينتهم، ويطفئ فيها مصادر الضوء، والنور، ليتصالح اللصوص مع الظلام، فيكملون ما لم يتح لهم في النهار..
في اكثر من محافظة ومدينة وبيت صفيح، يتراكم الغيظ، أيها الشيخ الجليل، ويتصاعد دخان الجمر تحت الرماد المخادع، وهو يستعد ليشتعل. إنها بدايات، قد لا تُرى، كامنة، حيث تَعِدُ بانبعاثٍ مباركٍ، كما العنقاء، من تحت الرماد..
عبد الزهرة الشيّال، بدأت، فبوركت. فأكمل..
عبد الزهرة الشيّال، لا تنتظرني، فانا سبعينيٌّ، تَرهّلتُ، وساقتني الخيارات المضنية، الى أسرٍ اختياري، بعيداً عما كنت عليه، في ذلك الزمن الواعد، حين دشن أسلافك من الشيّالين، مرحلة جديدة من التحدي، المفتوح على الأمل والتغيير..!
جميع التعليقات 1
نصير عزيز مهدي
الآ تتفق معي مدى البؤس الذي نعيش فيه والفراغ والخواء الذان يغلفان حياة الناس .الشباب البائس الذي يبحث عن اي عمل كي يسد رمقه وعياله . والبعض الاخر يقتل الزمن الحاضر بارتشاف النرجيله في مقاهي الياس ؟؟ انا من هؤلاء البؤساء متعلم مثقف ..وماذا بعد ..تتصور نحن