أخطر ما إبتلينا به في السنوات الماضية أن سياسيينا ومسؤولينا أُصيبت ضمائرهم بعطب مزمن، وانهم تحولوا من حماة لأرواح الناس إلى محرضين على العنف والقتل، اليوم نعيش مع مسؤولين وقادة أمنيين أُصيبت نفوسهم بفايروس قاتل، يتبدلون حسب المواقف، يجعلون الباطل حقاً، والحق باطلا، لا يغادرون مقولة هتلر الشهيرة "إذا أردت السيطرة على الناس أخبرهم أنهم معرضون للخطر وحذرهم من أن أمنهم تحت التهديد، ثم شكّكْ في وطنية كل مَن يُعارضك ".
في كل دول العالم تكون وظيفة المسؤول هي إدارة شؤون البلاد على نحو يجعل الناس أكثر أمناً وسعادة وإيماناً بالمستقبل، إلا في العراق حيث يشيع مسؤولونا الرعب ويكرسون لثقافة الكراهية والعنف، مستخدمين فزَّاعة الإرهاب والأجندات الخارجية، خطاب لا يختلف عن الخطاب المقيت الذي يمارسه الإخوان المسلمون في مصر الذين اعتبروا إزاحة مرسي من كرسي الحكم اكثر جرماً وبشاعة من تهديم الكعبة ، مسؤولون يتحدثون عن الفوضى فيما هم أول مَن ينشر الخراب في كل مكان، يتحدثون عن القانون والعدالة وهم يحرقون البلاد صباح كل يوم.
بالأمس سقط عشرات الضحايا وفقدت أمهات أبناءها وترملت نساء فخرجوا يملأون منابر الفضائيات صخبا وضجيجا في الوقت الذي يعرف الناس جيداً مَن القاتل ومَن قتِل ومَن أعطى التعليمات ومَن حرق كل المؤسسات لتختفي الحقائق!
اليوم، العراقيون يبحثون عن دولة الحرية والإخاء والمساواة، فلا يجدون امامهم سوى الدولة المريضة والفاسدة التي تحكمها ثقافة الجهل والفقر والمرض، ولا مكان فيها لأي شيء حقيقي، بل المكان والمكانة لكل ما هو مزيف ومنافق وغشاش وفاسد.
علينا ان ندرك جميعا ان الاستقرار لن يتحقق إلا إذا تخلص الناس من مسؤولي الأزمات ورافعي شعار معارك المصير، الذين أثبتت التجربة في السنوات الماضية أنهم جاءوا لخدمة مصالحهم والكتل التي ينتمون إليها، فازدادوا ثراءً فوق ثرائهم، وتخمة فوق تخمتهم، وأشاعوا الأجواء بخطب ومناكفات شخصية ومشاحنات، يضعون قدماً في السلطة والأخرى في إحدى دول الجوار، نراهم كل يوم يملأون السماوات والأرض بتصريحات عن الوطنية ومصلحة البلاد وعن اليتامى والأرامل، ناسين ومتناسين أن الذين تسفك دماؤهم كل يوم وتحرق أجسادهم وتهدم بيوتهم، هم الذين أجلسوهم على كراسي الحكم، وهم أيضا أصحاب الفضل الأول في العملية السياسية التي يتاجرون بها!
دعونا نتساءل: لماذا لا تتغير النظرة الى الشعب الذي يعتقد قادتنا الافاضل انه مجرد قطيع لابد من ترويضه؟ لماذا لم نجد المالكي ومقربيه قد أصابهم الجزع وهم يشاهدون المفخخات وعصابات كاتم الصوت تحاصر الناس المتظاهرين في كل مكان؟
لم يسألوا انفسهم لماذا يُقتل المواطن بدم بارد.. لماذا في كل حديث عن الاصلاح يهددون الناس بفزاعة الحرب الطائفية، لماذا يحشدون القطعات العسكرية في مواجهة ابناء الشعب.. ويعيدون الى اسماعنا الجُمل والهتافات نفسها التي قيلت من قبل وكانت السبب في خراب البلاد؟ لماذا لا نجد في برنامج المالكي قضايا صغيرة عن الفقر والحرمان وكرامة البشر.. فيما تمتلئ خطبه بالكوارث، وباننا نحتاج الى معركة بدر جديدة، خطب وشعارات يريد من خلالها ان يعلو صوت الحاكم المستبد، الذي يخوض معركة مقدسة.
الجميع يتناوبون على افتراس حق المواطنة من الناس، واشعال النار في البلاد من اجل ان يتدفأ هو وجماعته، وفي أجواء شديدة القتامة والبؤس فمن الطبيعي ان يخرج علينا مَن يحذر من الوقوف في وجه السلطة، لان الطريق الآخر سيؤدي حتما الى الفوضى.. انها الدولة التي يريدون ان يبنوها فوق احلام وآمال العراقيين.. يعتقدون ان الخلاف مع السلطة ليس اختلافاً مع اشخاص يُصيبون ويُخطئون.. لكنه سيكون خلافاً مع الدولة بكل سلطاتها.
المالكي ومن معه يتصورون اننا ما زلنا أسرى حرب المظلوميات.. وان الحل في ان نتجنب مواجهة الحاكم خوفاً من ان تطيح بنا "معركة بدر جديدة" يريد ان يخوضها المالكي من اجل الحفاظ على عرش الاستبداد ولا يهم ان يدفع العراقيون الثمن مقدما.
إنه إعلان عن فشل وعجز في ادارة شؤون البلاد، لا يكتفي فيه البعض بإشاعة روح الفرقة والاحتراب بين ابناء الوطن الواحد، وإنما ينشرون الاكاذيب على أنها برنامج وطني لإنقاذ البلـد من أزماته.
التفجيرات التي ضربت مدن العراق امس، هي صورة مجسدة لعجز الحكومة في معالجة ملف الأمن والخدمات والفساد وهذا بالضبط المنهج ذاته الذي يتبعه كل مسؤول عاجز لا يفعل سوى إلغاء احتياجات الوطن واستبدالها بأزمات ومعارك مصيرية.