كثيرون، وأنا منهم، لا يعرفون أن الشاعرة الأمريكية سيليفيا بلاث كتبت الرواية أيضاً، حتى فوجئت بإيميل من صديقي الروائي عبدالله صخي، مرفق بنسخة من روايتها الوحيدة (الناقوس الزجاجي) متبوعاً بمكالمة هاتفية، يخبرني فيها بأنه، الآخر، لم يكن يعرف بوجود مثل هذه الرواية، وهو النباش والحفار في المكتبات والمواقع للعثور على المهم والجميل والجديد من الكتب.
بلاث كانت خططت لكتابة أكثر من رواية، فلديها رواية أخرى، حسب مقدمة مكلاو، أحرقتها بلاث في لحظة غضب شديد، لكن (الناقوس الزجاجي) أول ما ظهرت باسم مستعار، قبل أن تظهر عام 1967 باسم الكاتبة الحقيقي (ويكيبيديا).
الرواية صدرت عام 2011 بترجمة توفيق سخان تصدرتها مقدمة مهمة كتبتها الناقدة والناشرة الأمريكية فرانسيس مكلاو مؤرخة عام 1996 توضح فيها ملابسات نشر الرواية في الولايات المتحدة، بعد نشرها في بريطانيا، عام 1963، قبل انتحار مؤلفتها المأساوي ببضعة أسابيع وبعد جملة العقبات القانونية والنقدية التي حالت دون صدورها بشكل سلس وطبيعي في وطن بلاث الأم أمريكا.
العقبة القانونية كانت بموجب قانون أمريكي قديم (ألغي في ما بعد) لا يسمح بنشر كتاب لا يقيم مؤلفه على أراضي الولايات المتحدة، أما العقبة النقدية فهي عندما وجدت محررتان تعملان على قراءة المخطوطات الأدبية لدى دار أمريكية، وجدتا أن الرواية مخيبة للآمال، كما أن نقاداً وكتّاب مراجعات كتب في لندن تناولوا الرواية في شيء من التحفظ، قبل أن تنجح في وسط القراء وتحقق نسبة مبيعات عالية (ثلاثة ملايين نسخة منذ عام 1972!).
كان الناقد الأمريكي البارز أ. ألفاريز معجباً ببلاث الشاعرة حتى أنه أخبرها شخصياً بإمكانية فوزها بالجائزة الشهيرة (البوليتزر)، لكن خطوات بلاث الروائية المتعثرة لم تمنع أن يكون اسمها على كل لسان في بريطانيا وتشكلت في الولايات المتحدة جماعات الأمريكيين المعجبين ببلاث شاعرة وناشطة نسوية، عدا أن موضوعة الموت كانت من ثيمات الكتابة الأدبية، أنذاك، إلى جانب شيوع ظاهرة الانتحار بين الأمريكيين، وانتحار بلاث أسهم، هو الآخر، في شيوع اسمها وتكريسها حالة عصاب مرضي وتوتر نفسي شديد، وكانت تعاني أثناء وقبيل صدور الرواية في لندن من حالة اكتئاب شديدة وإفلاس حقيقي وهي الأم لطفلين بلا أب ولا معيل (انفصلت عن زوجها الشاعر البريطاني، شاعر البلاط لاحقاً، تيد هيوز).
قورنت (الناقوس الزجاجي) برواية سالنجر (حارس في حقل الشوفان)، ويمكنني، قارئاً، أن أقارنها أيضاً بأفضل أعمال فرجينيا وولف، وثمة تشابه واضح، في الحياة والمرض النفساني والوحدة، وفي بعض سمات السرد الروائي مثل الجمل القصيرة، الوثابة، والخيال الخصب، على أن في رواية بلاث (الناقوس الزجاجي) الشيء الكثير من حياتها الشخصية، وشخصيات الرواية فيها ممن تعرفهم المؤلفة، حتى أنها ترددت في نشر الرواية لكي لا تسبب إزعاجاً أو امتعاضاً لدى أفراد عائلتها ومعارفها، حسب المقدمة.
الرواية، رغم المزاج السوداوي الطاغي، لا تخلو من لحظات خفة دم ومرح ومشاكسة كوميدية، ولا تتردد كاتبتها في وصف مزاجها النفساني وصحتها العامة، في عبارات تتواتر وتتكرر عبر الصفحات، وإيستر غرينوود، شخصية الراوي، فتاة عصابية، مثقلة بأسئلة الهوية الذاتية والبحث عن جدوى الوجود.
(الناقوس الزجاجي استحضار مرهف لماهية الجنون كما هي عليه فعلاً) تقول مكلاو، لكن هذا الاستحضار يتحرك بعيداً، في الطبقات التحتانية للسرد، وخير ما يظهره هو عندما تلجأ المؤلفة إلى الوصف: وصف ما تراه في المكان والجدران والوجوه وسلوك الشخصيات، أو وصف مشاعرها الشخصية وإحباطها وترديها إلى هاوية الكآبة القاسية.
قبل أيام احتفت دار هاربر الشهيرة بالذكرى الخمسين لصدور الرواية التي رفضت نشرها وأعادت طباعتها!
سيليفيا بلاث روائية!
[post-views]
نشر في: 29 يوليو, 2013: 10:01 م