لا الجيش النظامي ولا الحُر قادرٌ على الحسم عسكرياً، لا المعارضة مُستعدةٌ للتفاوض والحوار، ولا النظام قابلٌ بالرحيل، التسوية مرهونةٌ عند الطرفين، بحجم التنازلات الممكن الحصول عليها من الطرف الآخر، جنيف2 ليس في الأفق، لأنّ الهدف المُعلن من عقده، كان منع انهيار الدولة، التي انهارت فعلياً، بفضل حروب الطوائف والجيوش والجبهات والكتائب، معنى ذلك ببساطة، أنّ الحل السياسي للأزمة السورية، دخل مرحلة التبريد المُكثّف، بانتظار قناعة دولية حقيقية، تتبنّاها موسكو وطهران، وتقضي باكتفاء الرئيس الأسد بالفترتين الرئاسيتين السابقتين، ووضع خُطط عنان والإبراهيمي موضع التنفيذ.
حتى يحين موعد ذلك، هل تصمد سوريا الدولة، في ظلّ قيام دويلات ميليشياوية، في العديد من مناطقها، ويستعر الصراع بين الجيوش المناوئة لنظام الأسد، وتستولد شهوة السلطة والثروة حروباً جديدة، بين المتصارعين خارج إطار الفهم الديمقراطي للتنافس، فيما يؤكد الواقع الاقتصادي أنّ السوريين باتوا على حافة الجوع والفاقة، وفي حين تواصل العملة الوطنية انهيارها، مع عجز الحكومة عن منع سقوطها النهائي، وتتواصل العقوبات الدولية ضد النظام، التي يدفع ثمنها المواطنون، وهي العقوبات التي دمّرت قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والاستثمار.
يتوهم نظام الأسد، بقدرته العسكرية، ودعم حلفائه في روسيا وإيران، على سحق مناوئيه، وفرض التسوية التي يُريد، وقد يتنازل بضم معارضين يختارهم إلى السلطة، ويمنحهم أدوارا سياسية مرسومةً بعناية، ويمنع عليهم تخطي دائرتها، وتتوهم المعارضة، مع ما تتسلمه من مساعدات عسكرية، بأن انتصاراتها المحدودة في هذا الموقع أو ذاك، ستُرغم الاسد على التنازل قبل انتهاء ولايته، مع الحفاظ على نظامه مُعدّلاً، وبما يُتيح حداً أدنى من التعايش بين مكونات البلاد العرقية والطائفية والمذهبية.
التدخل العسكري الغربي، على غرار ما حصل في ليبيا مستحيل، والمخاوف حقيقيةٌ من تكرار السيناريو الذي أسفر عن مجموعات "جهادية"، تستوطن اليوم سيناء، مدججةً بالسلاح القادم من جماهيرية العقيد المنهارة، كما أنّ واشنطن لم تحسم أمرها بعد، وموقف النأي بالنفس عندها هو أساس سياستها، إلاّ إن تعلّق الأمر بأمن إسرائيل، ولندن وباريس غير قادرتين على التدخل خارج نطاق دعم الناتو، الذي ينتظر ضوءاً أخضر أميركياً، تتمنع إدارة أوباما عن السماح لشعاعه بالانتشار، وهي تنسحب من دورها الريادي والقيادي في منطقة الشرق الأوسط، وتصب كل اهتمامها على شرق آسيا والمحيط الهادئ.
لاشك أنّ تطور الأوضاع في مصر، وخسارة الإخوان المسلمين لسُلطتهم، وانشغالهم بمحاولة استعادتها، سيُلقي بظلاله على وضع نظرائهم في سوريا، كما أنّ انسحاب الثُنائي القطري الداعم لمناوئي الأسد من الواجهة، وتسلّم شيخ جديد لم تتضح سياساته بعد أمور المشيخة، سيترك أثره على المُعارضة السورية المُفكّكة، والتي ارتهن قادتها السياسيون للأجندات الخارجية، وسيدفع سوريا إلى الغوص عميقاً في مستنقع الحرب الأهلية الطائفية والعرقية، مع ما تنتجه هذه التطورات من آثار سلبية لن تتوقف عند حدود الجغرافيا السورية وسيتطاير شررها ليطاول الإقليم بأكمله.
مع التواصل المُرعب لنزيف الدم السوري، تتكامل المخاوف من تحول بعض الجغرافيا السورية إلى مُعسكر، لتدريب وإعداد للمجاهدين الوافدين، على غرار ما أفغانستان أيام حكم القاعدة، وما يتبع ذلك من تسعير للخلاف السنّي - الشيعي في المنطقة، وما يجري في العراق اليوم دليل على ذلك، إضافةً إلى فتح ملف كرد سوريا الساعين لتكرار سيناريو إقليم كردستان العراق، مع اختلاف الظروف، وما يمكن أن ينجم عن موقف أنقره التي سارعت للإعلان أنها لن تسمح بكيان كردي على حدودها مع سوريا.
وبعد فإن الأزمة السورية مُرشحة لحمل بذور نكبة كبرى على مستوى الإقليم، إن لم يتم تدارك تداعياتها.
حربٌ طويلة الأمد
[post-views]
نشر في: 31 يوليو, 2013: 10:01 م