إذا قبلنا اعتراف عزة الدوري، الذي يمنح نفسه لقب أمين عام حزب البعث المحظور، بأنّ تورّط قائده وزعيمه المبجل صدام حسين باحتلال الكويت، كان هفوةً تاريخيةً، فإنّ من حقّنا سؤاله عن دوره في تلك الهفوة، وهو الذي كان نائباً لصدام، وما زال يحمل له ولاءً أعمى، ويتبنّى كل "هفواته" باعتبارها مواقف قوميّة تقدميّة، فيوجّه رسالة للشعب العراقي في ذكرى استيلاء حزبه على السُلطة، لايُغادر فيها اللغة المُتشنجة لحزبه، يؤكد فيها "مواصلة الصراع التاريخي الملحمي مع حلف الشر والرذيلة، حلف الغزاة البغاة الجناة"، وهو حلف ينبغي القول إنّه لم يتشكل إلاّ نتيجة "هفوة" قائده، التي كلّفت العراقيين أكثر من مليوني شهيد، على "طريق دحر الغزاة وطردهم، وتحرير العراق وتطهير أرضه التي دنّسها الغُزاة المعتدون، ثم لتعزيز وتثوير مسيرة الأمة الكفاحية، على طريق تحررّها وتوحّدها، واستعادة دورها التاريخي الحضاري بين الأمم" كما يقول الدوري.
لم يخجل وريث صدام من مخاطبة الحُكام العرب، وجماهير الأمّة معهم ليسألهم، "أين أنتم مما يحصل في عراق العروبة، على مدى أكثر من عشر سنوات، من القتل والذبح والتشريد والتهجير والتخريب والتدمير لكل معالم الحياة في بلد الحضارات والتقدم، وما هذا الصمت أيها الشياطين الخرس، وماذا ستقولون للتاريخ الذي لا يرحم الكبير والصغير، ولا يرحم القوي والضعيف منكم، كيف ستنظر إليكم والى تاريخكم الأجيال القادمة؟، يسأل بكل هذا التبجح وكأنه يتوهم أنّ علينا جميعاّ حُكّاماً ومحكومين دفع أثمان "هفوة" قائده، مع اعترافه أنّها السبب في كلّ ذلك، إضافةً لما شهده العراقيون من مآسٍ، خلال حُكم القائد الضرورة، وعشيرته ونوابه من طراز الدوري، الذي لم يكن يجرؤ على رفع عينيه في وجه صدام.
بالرغم من تبنّي تنظيم القاعدة الإرهابي لعمليات القتل العشوائيّة والطائفيّة، واستهداف العسكريين من أبناء الشعب العراقي، فإنّ الدوري يسعى لتبرئته من دمهم، حين يؤكد قناعته أن لايد للقاعدة في تلك الجرائم، وهو يعتبر منتسبيها إخوة له في "الجهاد الطائفي"، الذي لاتخجل القاعدة من الجهر به، ثم يتبجّح بأنّ حزبه "أعلن حربًا مقدسةّ ودائميّة على الطائفية، وإن قصّر البعث أو أهمل في مرحلة ما، في تطبيق مبادئه وفكره وعقيدته الوطنية القومية الإنسانية، فهو تقصيرٌ وخطأ يُحسب على قياداته وقادته" لكنّه وهو يخوض مرحلة "جهادية" لاتحتمل المُحاسبة على هذه الهفوة، يتملّص من حقّ العراقيين في محاسبته، ولكن إلى حين.
بصفاقة مدهشة تنم عن الغياب الكامل عن الواقع، يرفض الدوري التراجع عن جريمة الأنفال، فيؤكد أنّ من جرى إجلاؤهم عن وطنهم، هم عُملاء وجواسيس الصفويين والإيرانيين، المجنسين في العراق، ولا يرف له جفنٌ وهو يتّهم الإمبرياليّة والصهيونيّة وإيران الصفويّة، بتوريط قيادة الثورة، وهو واحد منها، حين زيّنوا لها دخول الكويت، لترتكب آنذاك تلك الهفوة التاريخية، التي "أوقفت المسيرة التحررية التقدمية للثورة"، وهو بذلك يعترف بقصر نظر تلك القيادة، التي انخدعت "فعادت عجلة التاريخ إلى حالة التقهقر والتردي والضياع، وإلى عصر التمزق والتناحر والتقاطع، وعاد الاستعمار إلى العراق"، وكل ذلك بسبب انخداع القيادة، والقائد المظفر بما رتب لها .
نعرف أنّ العراقيين تجاوزوا مرحلة البعث البغيضة، وقيادته المناضلة والمجاهدة، وأنّه ليس هناك غير أيتام صدام، من هو مستعد لسماع هراء الدوري، لكنّ المهم أنّه يعترف بمسؤولية صدام وحزبه، عن الحال المأساويّة التي وصل إليها العراقيّون على يد الحزب والقائد، وأنّ عليه انتظار حساب سيكون عسيراً.
وما أدراك ما الدوري
[post-views]
نشر في: 2 أغسطس, 2013: 10:01 م