يتهمني البعض بأنني أسعى لإشاعة حالة من الاكتئاب عند القراء، وأنني مصرّ على أن أجعل من كلماتي مدخلا للتأكيد على أن السياسيين والحكومة هما سبب غياب التفاؤل والبهجة من حياتنا، وأنني أترصد حركات وغمزات النواب لأسخر منهم.. ولأن الضحك ومعه الفرح، وثالثهما السعادة أنشطة إنسانية كما علّمنا العم "برجسون"،وهو بالمناسبة لا علاقة له بالأجندات الخارجية ولم يسع لمنافسة سياسيينا على مناصبهم وغنائمهم.. ولم يتآمر مع منظمة الشفافية العالمية التي تصر على أن العراق سيظل يحصد المراكز الاولى على قائمة الدول الأكثر فسادا.. المهم أن الفيلسوف برجسون ظل يخبرنا بأن الضحك لا يحدث مفعوله إلا إذا سقط على صفحة نفس هادئة تمام الهدوء، منبسطة كل الانبساط. أيمكن أن يكون هذا التفسير مبرراً لما نحن عليه؟ فلا النفوس هادئة، والانفعال سيد الموقف في كل مكان، في أروقة الساسة، في دوائر الحكومة.. في الشارع المليء بالضجيج والصخب، والأهم في الفضائيات التي ما انفكت حنان الفتلاوي تذكرنا فيها كل لحظة بأننا نعيش التراجيدية التي من قوانينها أن يختفي الجميع من على المسرح لتحتل السيدة "الحديدية" الفتلاوي الخشبة وحدها لتعيد إنتاج الأحداث، ولكن بشكل هزلي.. وأتساءل هل علينا أن نستسلم؟
أعتقد أننا يجب أن نضحك من اللامعقول الذي يحكم حياتنا التي تحفل بمضحكات عديدة، والتي كان آخرها مسرحية هزلية نصبت خشبتها في قاعة البرلمان، فبعد أن صادق النواب على فقرة المخصصات والميزانية المليارية، تذكروا أن هناك شعبا فقيرا يعيش على أرض اسمها العراق، يجب أن يتبرعوا له برواتبهم التقاعدية، مما دفع العديد منهم إلى أن يظهروا في الفضائيات يذرفون الدموع وهم يعلنون عن أسفهم بأن يمنحوا هذه الرواتب الفلكية، فوجدنا نائباً يصرخ بصوت عال وهو يهم بالسفر إلى بلده الثاني بريطانيا إن " هذه الأموال يحتاج إليها الكثير من أبناء الشعب المظلوم".
لا أيها النائب البريطاني الله المغني، فنحن لسنا مظلومين وإنما مخدوعون، فنحن نعيش زمن مهربي المال العام، فكيف نطلب من صاحب الثروة الحرام أن يفعل خيراً.. وكيف نطلب من مسؤول استغل وظيفته لمنفعته الشخصية أن يوقف مالاً من أجل الآخرين؟!
وحتى تكتمل فصول المسرحية الهزلية تعالوا نقلّب دفتر الفكاهة الأمنية، وهذه المرة علينا أن نأخذ بنصيحة "خالنا" الجاحظ حيث يوصينا بأن المرء حين يتندر بنفسه فإنما لينفس عن غيظ مكتوم، فجميل أن نضحك وأجمل منه أن نضحك على أنفسنا، وإلا متنا من الغيظ والقهر ونحن نقرأ ما جادت به قريحة السيد قائد القوات البرية الفريق الركن علي غيدان وهو يعلّق على استقالة قائد الفرقة الـ 17 اللواء الركن ناصر الغنام قائلا: "ناصر الغنام مجنون وكذاب ولا يمت إلى العسكرية بصلة وإنه جاهل بالأنظمة العسكرية".
ولأنني أريد أن أطبّق نصيحة الجاحظ فقد قررت أن أضحك على حالي وان اقوم بجولة على متن المدعو " غوغل " للبحث عن تفاصيل استقالة الغنام، فاكتشفت أن اللواء الغنام كان ضمن دفعة بلغت 300 ضابط عراقي حصلوا على ترقية استثنائية نتيجة لجهودهم التي بذلوها في محاربة المجاميع الإرهابية، حسبما جاء في الأمر الصادر عن مكتب القائد العام للقوات المسلحة.. وأن الرجل – أي الغنام – دائما ما كان يحصد عبارات الثناء من قبل الفريق غيدان، كان آخرها حين اعترضت محافظة نينوى على ممارسات الغنام وطالبت باستبداله عام 2011 كتب غيدان نفسه قصيدة من الغزل في حق " المجنون " معتبرا أنه واحد من أفضل الضباط وسجله حافل بالمنجزات! يمكن للقراء الأعزاء إذا أرادوا أن " يموتوا " من الغيظ مثلي الرجوع لتصريح غيدان المنشور في عدد من الوكالات في أيلول من عام 2011...
ثم تصعد الكوميديا إلى ذروتها محلّقة في فضاء الخيال العلمي بأن ينشر اللواء الغنام استقالته على صفحته في الفيسبوك، ليشد بعدها الرحال إلى بيروت حيث يستمتع بالبحر والجو والوجه الحسن من شرفة شقة مريحة على شاطئ منطقة الروشة، ولم ينس الغنام وهو ينفرد بهذه الاستقالة الكوميدية أن يؤكد لنا أنه استطاع بفضل قواه "الخارقة" أن يقضي على الإرهاب، وأن تنظيم القاعدة تلقى أوجع الضربات والهزائم على يد الفيسبوكي "ناصر الغنام، مما أدى إلى سماع أصوات نحيب في مقبرة مخرج أفلام التشويق هيتشكوك، بعد أن تفوقت عليه تصريحات قادتنا الأمنيين في فنون الإثارة والغرائب.
طبعاً سأكون ساذجاً لو أنني سألت عن الإنجازات الكبيرة التي قام بها قادتنا الأمنيون وعن الأموال التي أهدرت على الملف الأمني، فالأرقام أكثر من قدرتي على الحساب، تضاف إليها السيارات المصفحة والحمايات ومخصصات السكن والخطورة وما بينهما من الأموال التي تصرف بدون وجه حق.
عزيزي القارئ أنا وأنت نسمع كل هذا ونراه، لكننا يا سيدي لا نضحك، والسبب لأن هذا الشعب لم يقدم حتى هذه اللحظة إلى القضاء، ليحاكم بتهم الطيبة والغفلة، والإفراط في تصديق المسؤولين.
تقاعد النواب وحكاية الرجل الخارق
[post-views]
نشر في: 2 أغسطس, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...