ليس ممكناً أن يمرّ موت فلك الدين كاكائي مروراً عابراً بأصدقائه وسائر عارفيه، فهو موت صادم بحلوله المبكر، والأهم ان فلك الدين لم يمرّ بالدنيا مروراً عابراً .. كانت له على مدى نصف قرن بصمته، بل بصماته، القوية .. بصمات مشرقة في الصحافة والأدب والسياسة وعلى صعيد العلاقات الانسانية.
تعرّفت على فلك الدين كاتباً صحافياً في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي عبر عموده في صحيفة "التآخي" الذي كان يوقعه باسم: أ. برشنك (أبو برشنك) .. كان عموداً مميزاً بلغته الطرية واسلوبه السلس وبأفكاره الذكية، وكذا كانت قصصه التي عبرت عن واقعيته وانسانيته وعرفانيته.
في نهاية الثمانينات تعرفت على فلك الدين شخصياً .. جمعنا المنفى الشامي الذي حلّ فيه هو نازحاً مثل الآلاف من البيشمه ركة والأنصار الكرد والعرب والكلدان والآشوريين الذين أرغمتهم حملات الانفال وهجمات الغازات السامة على ترك كردستان الى المنفى. انخرط في الحال في نشاطنا الثقافي التعبوي في اطار رابطة المثقفين الديمقراطيين العراقيين.
وجدتُ فلك الدين مثقفاً كبيراً ومفكراً، وكانت له مكنة واضحة من اللغة العربية وأدبها، فضلاً عن مكنته من لغته الكردية وأدبها، ومن الفارسية أيضاً .. كان يكتب بلغة سلسة، طرية، ولم تنقصها الفخامة. ومن ابرز علاماته في الميدان الثقافي اهتمامه بأدب الصوفيين، بل هو نفسه كان يبدو حتى في حياته العامة صوفياً حقيقياً.
لم يطل المقام بفلك الدين في المنفى، فقد عاد الى كردستانه بعد انتفاضة 1991 واقامة الادارة الذاتية في اقليم كردستان، وواصل نضاله في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان عضواً في مكتبه السياسي، وتولى مهام حكومية وحزبية عدة، وزيرا للثقافة ووزير دولة ومستشاراً للرئيس مسعود بارزاني.
خلال تلك الفترة كنت التقيه كلما زرت الاقليم.. لم يكن يتأخر عن المجيء الى الفنادق التي أقيم فيها، وكنت أجده كما عهدته دائماً متحلياً بالادب الجم، متواضعاً، ميالاً الى البساطة، محتفظاً بروحه المرحة، وكانت نزاهته وجديته مما يتكرر ذكره في المجالس على الدوام.
كان فلك الدين من أبرز المثقفين والسياسيين الكرد الداعين الى توطيد أواصر الصداقة والأخوة مع العرب وسواهم من الشعوب المجاورة، بل انه كان من العاملين بحماسة في هذا الميدان .. لم ألحظ منه أية عصبية وتطرف لقوميته .. كان عن حق انساني النزعة.
الموت المبكر لفلك الدين كاكائي خسارة كبيرة لنا أيضاً نحن العرب .. خسارة لثقافتنا الوطنية العراقية، عسى ان تعوضها جزئياً وزارة الثقافة في بغداد باعادة اصدار مؤلفاته باللغة العربية في مجلد واحد وترجمة مؤلفاته بالكردية الى العربية لتعريف الاجيال الجديدة بالتراث الغني لهذا الأديب والصحافي والمفكر والسياسي الوطني البارز.
فلك الدين كاكائي .. انسان حقيقي نخسره
[post-views]
نشر في: 2 أغسطس, 2013: 10:01 م