حين وقفت جماهيرُ الأمّة مع الشعب المصري، وهو يُصحّح مسار ثورته، رافضاً استئثار فئة بعينها بكل مفاصل السُلطة، مُقصيةً مُمثلي أكثر من نصف المجتمع عن المشاركة في صنع المستقبل، وحين منحت تلك الجماهير للفريق السيسي، فرصة إنجاز مهمة العودة بالثورة التي أطاحت دكتاتورية مبارك إلى مسارها الصحيح، فانّ المُؤكّد أنها لم توقّع له تفويضاً بالقتل، أو الاستخدام المُفرط للعنف، أو العودة بالبلاد إلى ما كان سائداً إبّان حكم مبارك ومرسي، ولا هي طوّبته كنسخة مُحسّنة من جمال عبد الناصر، الذي يستذكر من عاش في ظل حُكمه، سطوة أجهزة الأمن على حياة الناس، والتدخل في أدق تفاصيلها.
الظرف اليوم مُختلف عن الظروف التي قاد فيها ناصر انقلاباً تحوّل إلى ثورة، فنقل مصر من حال الضعف والإهمال إلى صفة الإنتاج والاقتدار، حيث نقف اليوم أمام حركة احتجاج شعبية واسعة، يُمكن للجيش أن يكون عنصر حماية لها، وداعماً لتحقيق أهدافها، وليس قائداً لحراكها، حيث لا يُمكن بأي حال القبول بفكرة التفويض المطلق لقائد هذه المؤسسة، ولو تحت عنوان مكافحة الإرهاب، ولن يكون مجدياً للسيسي، قبول فكرة تشبيهه بناصر، فالوضع مُختلف كلياً، ومصر ليست بحاجة إلى زعيم قائد، بقدر ما هي بحاجة إلى حكم ديمقراطي، يُؤمن بتبادل السلطة بطرق سلمية، ويحفظ للمواطنين حقوقهم.
كانت خطيئة الإخوان، وهم يستفردون بالحُكم والسُلطة، ظنّهم أن فوز مرشحهم في الانتخابات، يمنحهم تفويضاً مطلقاً، وتجاهلوا أنّ اختيارهم لم يكن لسواد عيونهم، وإنّما لأنّهم كانوا القوة الوحيدة المُنظّمة، التي وقفت ضد حكم مبارك الفاسد والدكتاتوري، وقد استغلوا هذا الواقع بانتهازية فائقة، ولم يتبيّن الإخوان بسبب ضيق الأفق وشهوة السُلطة، أنّ ثورة المصريين ضد مبارك، كانت تستهدف إقصاء العقلية الإقصائيّة، لصالح حُكم يستند إلى شراكة كُل أطياف المجتمع، ويُنهي مرةً واحدةً وإلى الأبد، ما ساد في مصر من حكم الفرد القائد، طوال أكثر من ستين عاماً من حُكم العسكر.
ستكون خطيئة السيسي أشدّ وطأة، بعد سماحه بإعادة مباحث أمن الدولة إلى العمل، وهي التي كانت رمزًا للقمع البوليسي، ولم تتغير صفتُها هذه بعد إطاحة مبارك، وعليه اليوم أن يستمع لهتاف المصريين " يسقط المرشد، يسقط حكم العسكر، لا للقتلة في أمن الدولة "، تعبيراً عن رفضهم الحكم الإستبدادي للجيش والإخوان، وخطيئته التي يجب الحذر منها، إن لم يقتنع بضرورة وضع برنامج سياسي، يستبعد فكرة الإقصاء، مثلما يستبعد الفكرة المُغرية للحكم بالقوة، وأنّ عليه وهو الشخصية الأقوى، إقناع القوى السياسية، التي ثارت على حُكم المُرشد، باستحالة اجتثاث الإخوان من الحكم، ومنعهم من العمل السياسي، وأنّ واجبه تنفيذ أهداف الثوار، بضمان المشاركة الجماعية، التي تشمل الجيش كشريك فعلي، في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ مصر.
في الظرف الحالي السائد، لايُمكن لعاقل مطالبة الجيش المصري بالانكفاء إلى ثكناته، لكنّ المُهم أن تتفهم المؤسسة العسكرية، أنّ أيّ دور لها يجب أن يكون مختلفاً عن ما ساد، إبّان حكم الرؤساء الثلاثة القادمين من الجيش إلى قصر الحكم، ومُهمٌ أيضا أن تساعد هذه المؤسسة الوطنية دون شك، السلطات السياسية على وضع أسس دستورية، تحفظ الجيش كمؤسسة وطنية ضامنة، وتدفن إلى غير رجعة الفكر الانقلابي، وتمنحها دوراً وطنياً في منع الفوضى، ومثلما رفض المصريون اعتبار مرسي هبة السماء، فإنهم سيرفضون لاحقاً منح هذه الصفة لغيره، فمصر اليوم منذورة للديمقراطية، وليس لغيرها.
مصر المنذورةُ لديمقراطية
[post-views]
نشر في: 3 أغسطس, 2013: 10:01 م