قال تشيكوف لصديقه غوركي وهما يغادران مزرعة إيسيانا بوليانا "لماذا تعتقد ان تولستوي يمتدح ما نكتب؟ ضحك غوركي وهو يقول: لانه ينظر الينا كأطفال، كل ما كتبناه لعب اطفال بالنسبة اليه".
في العدد الاول من المدى 5/8/2003 يكتب صاحب الافتتاحية " ستكون المدى صوتا ديمقراطيا حرا مشرع الابواب امام التيارات السياسية والفكرية الخلاقة التي من شأنها تطوير البلاد باتجاه الديمقراطية وتحرير الانسان العراقي " ولهذا سعى صاحب الافتتاحية ان يجعل من الصحيفة منذ لحظة تأسيسها صوتاً يدافع عن قضايا المواطن البسيط، لتقف بصلابة، وهي تحارب امراء التطرف سواء كانوا من الإرهابيين أم المفسدين، تحارب شيوخ التطرف وتتصدى لهم حين يحاولون خلط الدين بالسياسة.. وفي الكلمات الاولى ندرك ان صاحب الافتتاحية اراد لصحيفته ان تكون مفتوحة الرئتين لكل هواء نظيف.... من هذا المنطلق كانت " المدى " ولا تزال جزءاً من عقل الصحافة العراقية النظيف..العقل الذي يحدد كل يوم أجندة الكتاب والأقلام من خلال القضايا التي تطرحها من دون هوادة او خوف، وان يتعلم العاملون فيها جرأة الكاتب وفروسية القلم، والاشتباك العنيف مع الأفكار الخاطئة، التي ينبغي هدمها وإفساح الطريق أمام عالم جديد.
في كل افتتاحية، نقرأ الدرس الاول من صاحب الافتتاحية، درس الوطن والحرية: حاذروا فالبعض من سياسيينا يكرهون الحريات، ويبنون السجون للرأي والنقاش.. ولهذا نراه مغرماً، اكثر من اي احد آخر، بالحرية ورجالها يطرب حين يجد احد الزملاء يقتبس شيئا من الكواكبي، او فولتير او الجواهري.
تجذبه تلقائية الكلمة مصحوبة بالتأمل والتفكير واستخلاص عبر التاريخ وتوظيفه لكسب الحاضر والمستقبل، ولهذا نراه ينتقي في افتتاحياته من حقول الثقافة، الاحداث والشواهد التي تثري ذاكرتنا وتعمل على انضاج الوعي وشحذ الارادة وتأكيد إيمانها بالديمقراطية والحرية، ولعلها متعة ما بعدها متعة ان يقرأ الواحد منا، واحدة من افتتاحيات المدى التي تزين بها الصفحة الاولى، وهي متعة لها مذاق مختلف، فيها يمسك صاحب الافتتاحية، بيد قارئه ليأخذه في رحله زاخرة بالمعرفة والسياسة والتاريخ والذكريات. ولعل هذه الافتتاحيات تأتي من شخصيته التي هي مزيج من المثقف والسياسي.. وعلى قدر معرفتي بصاحب الافتتاحية احسب ان احلامه الوطنية ظلت دوما متأججة وترفض ان تخبو او تتوارى امام توالي الهزائم والانكسارات.
يكتب صاحب الافتتاحية في كل الاشياء بالشغف نفسه.. من هموم الناس، الى حديث الذكريات مع هادي العلوي..الى مقال عن نزيهة الدليمي،.. ويكتب في السياسة بصدق وانفعال، لانه يرى ان ذلك هو اقصر الطرق لكي يصدقه الآخرون.. وقد تيسر له ذلك بسبب أسلوب خاص، ممتع، وثابت، و شجاعة واضحة، ومستوى أخلاقي غير قابل للتلون، وبصفته كاتبا وناشرا ورئيس تحرير، يلعب صاحب الافتتاحية، دورا مؤثرا، وربما وملحوظ، في مسار الصحافة العراقية خلال العشر سنوات الماضية الحديثة، التي يريد لها ان لا تتوقف عن النمو والتوسع.
نقرأ في سيرة حياته فنكتشف انه صنع كل شيء من لا شيء، ثابر وجاهد، وعندما اسمع منه لمحات عن بداياته في عالم صاحبة الجلالة، تذهلني الجرأة التي كان يملكها، والشجاعة التي ترافقه اينما يذهب، والوطنية التي رفعها شعاراً.
وإذا كان الزمان قد جاد على كاتب هذه السطور بنيل شرف العمل مع قامة مهنية وإنسانية بوزن " صاحب الافتتاحية "، فليس أقل من الوفاء لما يتركه فينا كل يوم من قيم ومثل، وهي تفرض علينا ككتـّاب ان نبقى مخلصين لما نكتب، مترفعين عن غواية الاقتراب من سلطة الحاكم، ومبتعدين عن دوائر التحزب الضيقة، بما يجعل انتماءنا للكلمة وللناس وللوطن.
في ذكرى تأسيس المدى فان التاريخ الوحيد الذي يجب ان نكتب عنه ونراجعه هو تاريخ صاحب "الافتتاحية" وصانع نهضة مؤسسة المدى ومصنـّع استمراريتها. ولا شك أن هناك مساهمين كثيرين في هذا البناء، ولكن التجربة تثبت كل يوم ان ظل صاحب "الافتتاحية" اقوى واكثر تاثيرا فهو صاحب النظرة المستقبلية وهو صاحب الرؤية، السياسية والمهنية سواء.
عندما يرسل افتتاحيته، يصل صوته عبر الهاتف: هل قرأتها ما رأيك فيها، انا احاول ان اكتب احسن منك ". واضحك من نفسي ليأتي صوتي هامساً وخجلا "ايها الاستاذ، هكذا يسخر الكبار من مقلديهم ".
يا صاحب الافتتاحية.. مولودك الذي رعيته لا يحتاج ملايين العراقيين للاحتفال معه، لكنه يحتاج اليهم ليحضنهم بقلبه العامر بالحب والمفعم بالامل، فالمدى اليوم فخر لكل كاتب في هذه الصحيفة.. فخر ان تكون وان تبقى.. جريدة ذات أشواك..فخر ان تكون واجهة المجتمع المدني المدافع عن حقوق الإنسان.. فخر ان يكون صوتها قويا صادحا بقضايا الناس.. يعلو ويعلو فوق أصوات الخائبين والخائفين، أيتها الصحيفة الحبيبة، نحن نحتفل بك لا بأنفسنا فما أروعك وأنتِ تدشنين من جديد احتفالية الحب والتألق والإصرار على رفع راية الصدق والحقيقة.
صاحب "الافتتاحية"
[post-views]
نشر في: 4 أغسطس, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 3
رضا الشمري
امتع مقال قريته للكاتب.. صارلي ساعة مبتسم.. اخير شي مكدرت متت ضحك.. صدك من السعادة ماقتل
محمد عبد الله دالي الرفاعي
دام صباحك ايها العزيز انت واحد من الاعمده التي تقف عليها المدى في مسيرتها الرائعه كنت ولا زلت القلم المسلط على رقاب الفاسدين والحاقدين ولصوص المال العام قلمك اعظم سنوار لكشف الحقيقه تسلم انت ورفاقك اخي العزيز برفد مسيرة الديمقراطيه في بلدنا الحبيب
shatha
الله يخلي الريس والله يطول عمره ندعيله بكل ساعة غالي وحلوة طباعه تن تن تن تن تن تن