اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > سعيد.. بكل خرابة آلة كرابة!

سعيد.. بكل خرابة آلة كرابة!

نشر في: 4 أغسطس, 2013: 10:01 م

بغداد / المدىفي تلك الليلة بدأت الصداقة الغربية بين ايمان  طالبة الجامعة  ابنة الطبيب  وبين سعيد الشاب الباحث عن الطعام في صندوق القمامة  روى لها حكايته كاملة، وعرفت منه انه شب في رعاية والديه الفقيرين  ثم اختطفهما الموت في ا

بغداد / المدى
في تلك الليلة بدأت الصداقة الغربية بين ايمان  طالبة الجامعة  ابنة الطبيب  وبين سعيد الشاب الباحث عن الطعام في صندوق القمامة  روى لها حكايته كاملة، وعرفت منه انه شب في رعاية والديه الفقيرين  ثم اختطفهما الموت في الحرب العراقية الإيرانية عندما سقط صاروخ على دارهم  وتركاه وحيداً  فاختصر طريق الحياة  سعياً وراء لقمة العيش  وعانى كثيراً في البحث عن عمل يعيش منه .. واخيراً عثـر على وظيفة حارس في احدى الشركات الاهلية  وذات يوم طلب منه محاسب الشركة ان يوصل مبلغاً الى المصرف القريب منهم ليودعه في حسابه ..

وفي الطريق الى المصرف تعرض الى عملية خطف من قبل اشخاص كانوا ينتظرونه في سيارة اجرة فأخذوه الى مكان بعيد خارج بغداد .. وتركوه بعد ان وثقوا يديه وعينه وسرقوا منه المبلغ .. وعندما رجع الى الشركة لم يصدقه احد واعتبروا ان عملية السرقة من تدبيره .. فاخذوه الى الشرطة وعبثاً حاول ان يفهمهم بانه تعرض الى عملية خطف وضرب .. لكن محاسب الشركة شهد ضده وقال امام ضابط التحقيق بان الحادثة مدبرة من عنده وكانت النتيجة ان احيل سعيد الى المحكمة وقضت المحكمة بحبسه لمدة سنتين لصغر سنه وقضى سعيد فتره العقوبة في إصلاحية الأحداث وخرج ليواجه عقوبة اشد هي استحالة العثور على عمل.. كانت الحادثة الاولى تطارده ويهرب منه اصحاب الاعمال وهكذا بدأ يتضور جوعاً .. ودفعه الجوع الى البحث عن الطعام في صندوق القمامة ! 
وفي تلك الليلة بكت ايمان كما لم تبك في حياتها .. كانت قد عاشت حبيسة اهتمام والدها الطبيب ووالدتها وجعلتها العزلة التي فرضها والدها عليها تتخيل ان العالم كله امن .. وانه لا يوجد خوف وفقر قد يدفعا إنسانا للبحث عن طعام في الزبالة مثل الحيوانات الشريرة !.. وأصبح سعيد جزءا مهماً في حياة ايمان .. تعودت على ان تراه وتلقي له سلة الطعام بعد منتصف كل ليلة حتى حدث ما لم يكن في الحسبان !
ذات ليلة وقفت بجانب الشباك في الموعد بعد منتصف الليل كانت هذه الليلة سعيدة فقد اعدت طعاماً بنفسها لسعيد.. وكانت تتمنى ان يأكله وان يعجبه ! ومرت دقائق ولم يحضر سعيد وبدأت ايمان تشعر بالقلق . أحضرت كرسياً وجلست في الشباك تنتظره برغم لسعة البرد واخذت الدقائق تمر دون ان تشعر وقلبها يدق متخوفة من ان يكون قد حدث له مكروه ولم تشعر بنفسها الا عندما ايقظها ضوء الفجر ووجدت نفسها نائمة على كرسيها وبجوارها سلة الطعام .. 
عاشت أيمان يوماً صعباً وعندما هبط الظلام جلست مقابل الشباك قبل منتصف الليل بساعات ظلت تنتظر حضور سعيد دون جدوى .. ووجدت إيمان نفسها في دوامة من الحيرة والقلق ..عادت الى فراشها .. لكنها لم تنم حتى ظهر ضوء الصباح .. في طريقها الى الكلية مرت بكشك بيع الصحف والسجائر الواقع في نهاية الشارع .. كانت كل صباح تقف بجانبه بانتظار سيارة الخط بعد ان تقتني صحيفة او مجلة منه .. وقفت مترددة واخيراً حزمت امرها وتوجهت الى الكشك كانت تعلم ان صاحب الكشك يعرف كل ما يدور في الزقاق من حكايات وحوادث ولابد انه يعلم شيئاً عن اختفاء سعيد كونه يظل ساهراً الى فترة متأخرة من المساء وصدق حدس ايمان .. واخبراها صاحب الكشك ان دورية النجدة منذ يومين قد القت القبض على شاب كان يحوم حول دارها قبل منتصف الليل وقد قادوه الى مركز شرطة المنصور بعد ان اشتبهت به ان يكون لصاً خاصة ان الشاب عجز عن تبرير سبب وجوده بالقرب من دار الطبيب والد ايمان .. 
وفي مركز شرطة المنصور كان ضابط الشرطة قد بدأ يشعر باليأس من هذا الشاب الغريب ان الظروف التي القى القبض عليه فيها تلقي حوله بالشكوك خاصة انه اعترف بسهولة انه سبق له ان قضي عامين بالسجن صحيح انه لم يكن ينفذ عقوبة سرقة .. لكن إصراره على عدم اعطاء مبرر واضح لوجوده بجوار سياج الدار بعد منتصف الليل كان يزيد الشكوك حوله ، ومن ناحية أخرى كان الضابط يشعر في قراره نفسه بان الشاب بريء .. وانه لم يكن ينوي شراً .. لكن كان عليه ان يمضي في الإجراءات القانونية وان يتهمه في الأقل بتهمة التشرد !.. وعاد ضابط المركز يسأله .. للمرة الأخيرة اطرح عليك نفس السؤال .. لماذا كنت تحوم حول الدار بعد منتصف الليل ..؟ 
صمت سعيد ولم يرد .. 
- قال الضابط : السكوت ليس من مصلحتك تكلم هل كنت تنوي سرقة الدار هل لك علاقة بأحد في هذا الدار؟ 
- وهنا صرخ سعيد.. كلا .. لااعرف احدا من سكان الدار بل كنت انوي السرقة !.. 
وفي نفس اللحظة جاء الصوت الملائكي من الخلف 
- قالت : بل انت لست لصاً .. وتعرف احدا من سكان البيت !.. 
- نظر الضابط مذهولاً إلى الفتاة الجامعية أيمان .. كانت قد اتخذت قرارها بالذهاب الى مركز الشرطة لتبرئ ساحة سعيد وروت قصته كاملة لضابط التحقيق.. 
- سألها الضابط : وهل يعلم والدك بحضورك الى مركز الشرطة .. 
قالت أيمان : لا يعلم ... وان كنت انوي ان اخبره بالقصة من البداية فور عودتي للمنزل. 
واخذ الضابط يفكر .. وأخيرا قال الضابط : حتى القانون له قلب يا اخ سعيد انت حر ولن نتهمك بأي اتهام .. تفضل إلى الحرية وأتمنى أن تعثر على عمل مناسب واذا واجهتك أية مصاعب تعال الي ربما استطيع مساعدتك ! 
وعند باب مركز الشرطة مدت أيمان يدها الى الشاب سعيد لتصافحه لأول مرة وعلى وجهها ابتسامة رحيمة ورد عليها بنظرة المعترف بالفضل والجميل وقد بدا من بريق عينيه انه سيستعد ليشق لنفسه طريقاً جديداً في الحياة ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram