TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ضفادع السلاطين يا غوستاف لوبون

ضفادع السلاطين يا غوستاف لوبون

نشر في: 5 أغسطس, 2013: 10:01 م

لقد كان السلاطين والنبلاء في فرنسا قبل ثورة ١٧٨٩ يعجزون عن النوم بسبب صوت الضفادع على حافة النهر. وكانت الاعراف تسمح لهؤلاء الزعماء باستخدام الناس "سخرة" وبلا اجور، واجبارهم طوال الليل على القيام باصطياد الضفادع وإسكاتها، كي يتسنى للامير ان ينام هانئا، ويتفرغ في النهار "لتدبير المملكة". وكان هذا جزءا من الظواهر التي اشعلت روح الثورة لدى الفرنسيين ضد نظام الملك. لكنها ظلت اكثر الثورات اثارة للجدل لانها تزامنت مع فوضى عارمة وشهدت تورط القادة الجدد بإعدام نحو ٣٠ ألف مواطن خلال ١٠ سنوات "حماية للثورة"، رغم كل شعارات الاخاء والمساواة. ولذلك قام الناس بعدها بمبايعة ضابط اسمه نابليون بونابرت، لانقاذهم من تطرف الثوار وقسوتهم، الا ان الجنرال هذا لم يخيب ظن القدر السيئ فما لبث ان قاد فرنسا الى دكتاتورية عسكرية توجت بالهزائم، حتى تخلص الفرنسيون منه بعد عناء وصولاً الى تأسيس الجمهوريات الثانية والثالثة..الخ.
ووسط جدل مستمر حول معنى الثورة، طرح المؤرخ غوستاف لوبون، فكرة صادمة ضمن كتاب "روح الثورات والثورة الفرنسية" مفادها: ان الحضارة في اوروبا كانت تتكامل بالمخترعات والافكار الجديدة، سواء بالثورة او بدونها، ولو صبر الرجال وظلوا يصطادون الضفادع ويقادون الى سجن الباستيل كلما اشتهى امير واحدة من زوجاتهم الجميلات، صبرا بدون ثورة لن يطول اكثر من خمسين سنة اخرى، لما احتاجت فرنسا الى كل تلك الفوضى التي استمرت اكثر من قرن، ولكان النظام الملكي تطور بالتدريج وحصل تغيير اقل صخبا، بفضل ظهور وسائل النقل الحديثة واجهزة الاتصال.
ان نقاشا من هذا النوع يزدهر في العراق وفي كل بلدان "الربيع" وكثير من الذين سئموا الهرج والمرج والفوضى وغموض المستقبل، يقولون اليوم ان من الافضل لنا لو بقينا نصطاد الضفادع وننام في سجن الباستيل العراقي والسوري والليبي، على ان نقع بين سندان مرسي وجماعته، ومطرقة الظواهري وأشباهه. ويقابل هؤلاء بالطبع شرق اوسطيون ثائرون يشبهون النقاد الفرنسيين الذين رفضوا أمنية غوستاف لوبون بثورية، وقبلوا عن طيب خاطر دفع ثمن طريق الحرية المليء بكل وساس "اهريمن" إله الظلام عند حافظ الشيرازي.
لكن هناك ثلاثة قرون ونصف تفصل بين "ربيعنا" واحداث الثورة الفرنسية التي كانت مجرد نوايا وافكار تجديدية يراد لها ان تطبق في لحظة بشرية ناقصة الخبرة وفي مجتمع تسوده الكثير من البدائية، ولم يظهر فيه القطار ولا التلغراف بعد. ولذلك فان اخطاء الفرنسيين قابلة للتفسير. اما نحن فان تحولاتنا تجري في قلب عصر التطور، ويفترض بنا ان نكون قادرين على هضم تجارب القرون الثلاثة الاخيرة، وتجنب تكرارها.
لم يكن بوسع ملك فرنسا ولا الثوار، ان يعرفوا نتيجة التمرد الثوري وتطبيق المبادئ الحديثة، لانها كانت التجربة الاولى بهذا الحجم. اما نحن فنعيش عصرا يتيح لنا التنبؤ بأساسيات المستقبل. ان كتابتنا عما سيحصل بعد ثلاث سنوات تشبه كتابة عن اشياء واضحة حصلت، على الاقل فيما يتصل بالاساسيات. وكمثال على هذا فقد كان واضحا ان طريقة ادارة الدولة في العراق عام ٢٠١١ ستؤدي الى انهيار رهيب، ولم تكن تلك نبوءة عرافين، بل حسابا رياضيا شبه بديهي. وكان شعور سلطاننا بزهو المال والفيالق العسكرية، امرا فادح الخطأ، جرت تجربته خلال عقود ولم ينجح، وكنا نقول انه سيؤدي الى كارثة تشق صف الوطن وتسمح بعودة امراء الموت، وهذا ما يحصل اليوم.
اما صاحب السلطة فلا يشعر بالحرج من الانهيار الحالي كما يبدو، ولذلك لم يقم بأية مراجعة. ذلك انه مشغول بالتفكير في كيفية استغلال الانهيار الامني لمصلحته، كي يقول ان على الشعب ان يتنازل عن معايير الديمقراطية (وينشغل بإسكات الضفادع) طلبا لرضى السلطان، فهذا طريق النجاة الذي سيتيح للزعيم ان ينام هانئا ويتفرغ للقضاء على القاعدة واصلاح الكهرباء. وأن علينا ان نستسلم له ونقوم بإسكات كل القضاة والنواب ورجال الدين والجرائد المعارضة، ليكون باله صافيا وينجح في انقاذنا.
ان مراكز القوى المتعددة، تقف هذه اللحظة على حافة النهر، فإما ان نسكت الضفادع طلبا لتهدئة السلطان، وإما ان نجد طريقة لدخول "المخدع الملكي" لايقاظه ومحاسبته قبل ان يغرق الجميع. أليس كذلك يا غوستاف لوبون؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram