حين كتب عبد الستار ناصر في قصته "سيدنا الخليفة" المثيرة للجدل والتي قادت به، اثر نشرها في مجلة "الموقف الأدبي" السورية العام 1974، الى السجن الانفرادي بعد توصية من خال صدام، خير الله طلفاح، لم يرسم نبوءة شخصية فحسب، بل نبوءة بحال بلاده ايضا " يا بلاد
حين كتب عبد الستار ناصر في قصته "سيدنا الخليفة" المثيرة للجدل والتي قادت به، اثر نشرها في مجلة "الموقف الأدبي" السورية العام 1974، الى السجن الانفرادي بعد توصية من خال صدام، خير الله طلفاح، لم يرسم نبوءة شخصية فحسب، بل نبوءة بحال بلاده ايضا " يا بلادي: يا بلاد الذين يموتون سراً، أودعك الآن، فقد أمر الخليفة –سيدنا جميعاً- أن أكون الفدية لكل أسرى الحرب الأهلية التي فشلنا بها. وقد وقعت موافقاً وأنا بكل قواي الجسدية والعقلية، أقلّها يا بلادي أموت وحدي علناً، لتفخر بي حبيبتي كلما احتفلت بعيد ميلادي".
فالنبوءة الشخصية تتمثل في "أقلّها يا بلادي أموت وحدي علناً، لتفخر بي حبيبتي كلما احتفلت بعيد ميلادي"، وها هو يموت وحيدا في منفاه الكندي، كما ان النبوءة بحال البلاد ذهبت الى اكثر من تطابق الجانب الشخصي، فهو يقول " يا بلادي: يا بلاد الذين يموتون سراً، أودعك الآن، فقد أمر الخليفة –سيدنا جميعاً- أن أكون الفدية لكل أسرى الحرب الأهلية التي فشلنا بها"، فثمة النبوءة الكبرى " الحرب الأهلية التي فشلنا بها" وثمة ظل " سيدنا الخليفة " الثقيل.
وفي حديث جمعني اليه في ليلة قبل رحيله الى كندا، كان صاحب "نخب النهايات السعيدة"، وهي مجموعته الاخيرة، حائرا ما بين نبوءته وآماله بان يحظى بهدوء مستحق في الهزيع الاخير من العمر، فهو لم يكن يستبعد ان تزداد حياته في كندا كآبة وغربة، بل يعترف بصعوبة ان يكون هناك "وسط مجتمع غريب وثقافة غريبة"، لكنه يصرّ على أمل استعادته قدرة جسدية تترجم حركة في يده يستعيد معها الكتابة وبالتالي قدرة استعادة ما لم يوثقه بعد من سيرة "الأخطاء" و"الخسارات" في حياته المرتبكة وان كانت رفعته الى مرتبة متقدمة في القصة والرواية العراقيتين، علّه بذلك يحقق ما فيه من نداءات مجروحة الى بلاده "في بلدي نحتاج الى أن نصرخ على عشرات السنين التي ذهبت سدى ، أن نصرخ وربما أن نبكي على خسائرنا التي لا حدود لها".
اليوم وقد طوى الموت، حياة فتى الادب العراقي الوسيم عبد الستار ناصر، استعيد نبوءة العزيز الراحل لأقول له : نم مطمئنا فما انفك " سيدنا الخليفة" يفتك بنا نحن "اسرى الحرب الأهلية التي فشلنا بها".