TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الأمن القومي في "علي بيك"

الأمن القومي في "علي بيك"

نشر في: 12 أغسطس, 2013: 10:01 م

لأول مرة أجرب زيارة مصايف كردستان خلال العيد، وأصبح أمام مشهد لا أعتقد أن محطات التلفزة أولته اهتماما كافيا، فالسبت الماضي كانت سيارات السائحين، تتحرك ببطء في طابور طويل يمتد لنحو ١٦٠ كم بين أربيل ومرتفعات حاج عمران. يستغرب المرء في شقلاوة من بطء السيارات، وحين يرتفع إلى قمة تطل على طوابير العجلات، يشاهدها تتحرك بزحام مثالي بين كل المسارات الملتفة حول هذه الهضبة أو ذلك الجبل، مثل "زيارة مليونية" لشلال علي بيك، أو مصيف بيخال وباقي المصائف.
المكان يضيق بالناس، والشباب والشيوخ يضعون أقدامهم في ماء الجدول البارد ويتصفحون الأخبار عبر الهواتف الذكية. يخبرنا احدهم: هذه اللحظة تسع مفخخات تضرب، من الناصرية حتى ضواحي تكريت، فتبدأ حكايات المسافرين من كل مكان، تحاول تفسير ما يجري.
سائح قادم من البصرة يسرد حكايته مع ضابط استخبارات بلدة كبيرة يدير وكالة المعلومات الأمنية في منطقة مفتوحة أراضيها على دولتين. الضابط يتفاخر بأنه يؤدي واجبه "على النحو الأمثل" فقد تلقى إخباريات نوعية وهامة مؤخرا، عن عمليات "تبادل قبل" في منتزه بين البساتين. والضابط يجادل معارفه بأن إمكانات المؤسسة عاجزة عن رصد جماعات العنف، وفي هذا التيه الأمني لم يعد ممكنا فعل شيء كثير لوقف الموت، لكن رصد "الشباب الطائش" امر ممكن ولا عذر للدولة في تجاهل صبي وفتاة يتبادلان القبلات في منتزه بين البساتين.
سائح من الناصرية يروي لنا حكاية ضابط آخر، صرخ في وجه الناس: دعوني أعترف لكم، ليس هناك جهاز حكومي ابلغني بهذا، ولكن إرهابيين مجهولين يهددوني الآن عبر رسائل الموبايل، بأنهم سيفجرون السوق قبل الإفطار. أرجوكم اذهبوا إلى منازلكم قبل ان يفجرونا. وهكذا ينجح الضابط في "تقليل الخسائر" ممتنا لمجرمين "يحذرون قبل الاعتداء"، ويترك الجمهور حائرا في معنى الدولة، وإمكانات الدولة.
هنا يشعر الناس بالضجر ويستذكرون حجم المال الذي ننفقه سنويا على "فشل" مؤسسة الأمن، ورفض القائد العام عرض أي مراجعة أو توضيح لمؤسسات الرقابة العليا، حول هذه الفضيحة. سائح جاء يقضي العيد في أربيل قادما من أميركا لرؤية أهله، يؤكد لي وهو يفتح الويب سايت الخاص بوكالة اف بي أي (مكتب التحقيقات الفيدرالي)، ان ميزانية هذا الجهاز الذي يحمي مصالح الولايات المتحدة في كل أنحاء العالم، لا تتجاوز ٨ مليارات دولار، ويسألني كأنني صاحب كلمة حاسمة عند السلطان: لماذا لا تقومون باستئجار هذه الوكالة بهذا المبلغ لعلها تعثر على حل؟، فيأخذ شباب قادمون من بلد متقدم آخر بالحديث عن شركات أمنية معروفة تستأجرها حكومات هناك لتصميم خطط المراقبة ورصد الحركات المشبوهة للمافيات وجماعات العنف، ثم نتذكر ان حكومتنا بكل ملياراتها عجزت عن جمع القمامة من الشوارع، بينما نجحت في ذلك بلدية حي عينكاوة الصغير والجميل. وكيف يتقن صناعة الأمن، من عجز عن تقليد نظافة عين كاوة، في قلب بغداد العظمى؟
وأحسب ان شلال علي بيك، بقي تلك الليلة ينصت بحزن تاريخي، لثرثرة عراقيين عاجزين لم يهنأوا بسفرة المصيف بسبب هواتف ذكية، ظلت تنقل أخبار بطانة عسكرية ومدنية غبية، تحيط بالسلطان، ويؤدي نقص تدبيرها وحكمتها إلى ظهور سيول من الدم قرب متنزهات الأطفال في ذي قار، ومقاهي الشباب في كرخ بغداد ورصافتها، وأضرحة الأولياء في النجف.
وكنت بعد عودتي أنقل لضابط صديق ما سمعته من الناس قرب الشلال، فراح يضحك بهستيريا ويسرد بحزن، مزيدا من بلايا الإدارة المهلهلة. انه يقسم بكل الآلهة التي احترمها العراقيون خلال ١٠ آلاف عام من الحضارة، ان فرقة عسكرية "ضاعت" مؤخرا من خارطة العمليات، لأن أفواجها راحت تتحرك وتنتشر بأوامر متناقضة تأتي للضباط عبر الهاتف، من مدنيين نافذين يعملون قرب السلطان، يتفاخرون أمام معارفهم بأنهم قادرون على تحريك الجنرالات كالبيادق. ويقسم ثانية بأن هذا النوع من السلوك، ورغم انه يثير غضب "القيادة"، لا يستتبعه أي حساب.
إن الجيش الذي تنتهك كرامته، صورة لكرامة الوطن المنتهكة. الآلاف في هذه المؤسسة يضحون كل يوم من اجل أمننا، وهذا مما لا شك فيه. لكن صيغة الإدارة الحالية لهذا الملف، انهارت في سقوطها المدوي، دون ان تعترف بضرورة المراجعة، بل تنهمك بكل صلافة في الحديث عن ضرورة "حل البرلمان وتعطيل الدستور". وستكون لنا مع هذا وقفة، لنتحدث عن إعجاب السلطان المعكوس بـ"الفريق السيسي".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. المدقق

    اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس ... هزلت .. للمعلومة فقط الناس ما راح تصدك لو ركعتوا راسكم بالحايط ...

  2. وليد

    للأسف كل الدول الحديثة تبدا طريقها من البدايةوهو طريق قوامه العدل والمساواة وان يسير الشعب بالنسق خلف قائده وعندما تسقط الدولة في نهاية طريقها اعلم ان العدل فيها قد اصبح من الماضي.الى دولتنا في العراق للأسف اختارت السير من نهاية الطريق وسرنا خلفها بالرتل

  3. نبيل

    حفظ امن البلاد والامن القومي لا يتحقق في التعاقد مع ف بي اي ولا غيرها ما يحفظ الامن القومي الامريكي هو الحكم العادل والمساواه بين مكونات المجتمع كنت ازور بغداد قبل 2003 لم اكن اشاهد شرطة في الشارع قد لا يعجبكم هذا ولكن هذا ما كنت الشهده في السبعينات و

  4. احمد

    الاخ مدقق افندي انت يمكن معايش بالعراق لو انت من جماعة المنطقة الغبراء

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram