لم أصدق عيني وأنا أشاهد العديد من أعضاء دولة القانون يخرجون علينا هذه الأيام ليصرخوا من شاشة الفضائيات "نحتاج إلى إعلان حالة الطوارئ لأن العراق يتعرض إلى مؤامرة خارجية".. ولم ينس السادة أعضاء ائتلاف "نريد قانونا للطوارئ " أن يرددوا الأسطوانة المشروخة من أن المالكي غير مسؤول عما يجري من كوارث، وانه ورث بلاداً مثقلة بالخراب، وأن الكتابة ضد الحكومة هي نوع من المزايدة، بل ذهب بهم الخيال ليقولوا إن نقد رئيس مجلس الوزراء، سببه الحقد والغيرة على ما تحقق من منجزات يعرفها القاصي والداني حسب قولهم.
في واحدة من أجمل عباراته يكتب أفلاطون في الجمهورية: "إن إضفاء حالة من التقديس على نفوس صغيرة للغاية يؤدي إلى وبال تام"، ويخبرنا ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أن الحاكم الغاضب لا يفكر إلا في الإلغاء.
توقع العراقيون أن يدخل بهم الحكام الجدد إلى ثقافة الأوطان والمواطنة، وأن يعاملونهم كمواطنين، لاكأعداء وأن يبدعوا في الإعمار والتنمية، لا في السباق على بناء قوات " العقرب "والذيب" والأسد.. عندما تقوم دولة العدالة الاجتماعية، يصبح الأمن لمعونة الناس، وليس لاضطهادها وابتزازها وإذلالها، من خلال جدل سقيم حول المؤامرة التي لا يعرف سرّها إلا الراسخون في العلم.
لماذا يصرّون على منع الناس من مناقشة القضايا الحقيقية المتعلقة بمستقبلهم واستقرارهم، الجواب واضح لأن إزالة الغبار الكثيف الذي يغطي حياتنا السياسية سوف يكشف للناس أن معركتهم الحقيقية هي مع السذاجة السياسية التي يراد لها أن تسود حياتنا.
لقد بات مؤكدا أن البعض لن يتراجع عن المضي في مشروعه الرامي إلى تهميش الآخرين واعتبارهم جزءا مريضا وغير صالح في العملية السياسية ولذا يجب بتره كي تمضي المسيرة إلى الأمام دون أن تقف في طريقها أية معارضة سياسية مهما كان شكلها وحجمها ولونها.
اليوم الكثير من مقربي رئيس مجلس الوزراء منهمكون بإيجاد تبريرات للمؤامرة التي قيل إن الأجهزة الأمنية استطاعت الكشف عنها، وهي المؤامرة التي أخبرنا القيادي حسن السنيد بأن قوى خارجية أرادت أن تحتل المنطقة الخضراء لإشاعة الفوضى في البلاد. ولذلك فالحل هو في إعلان حالة الطوارئ، لا من أجل حماية أرواح الناس وإنما لإخراس الأقلام المأجورة كما أخبرنا السنيد ولحماية المنطقة الخضراء التي هي حسب تعبير النائبة حنان الفتلاوي: "تمثل رمزية للدولة، ومن يدافع عن المنطقة الخضراء ليس حباً بها وللساكنين فيها، بل لأن فيها مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، وبالتالي هيبة الدولة ورمزيتها فيها".
وبما أننا لا نعرف طبيعة المعلومات التي يتحدث عنها السنيد والفتلاوي، فيحق لنا أن نسأل جميع المقربين الذين لم يفارقوا حتى هذه اللحظة شاشات الفضائيات، وهم يتحدثون عن المؤامرة؛ لماذا لا تكشفوا ما لديكم من معلومات إلى القضاء وتفضحوا كل المتورطين بهذا المخطط الشيطاني الذي يراد به إخراج العراقيين من جنة الحكومة وإيقاف عجلة المنجزات والمشاريع الكبيرة التي تنتشر في كل مدن وقرى العراق؟
عندما يتحدث المسؤول عن مؤامرة فالمفروض أن هناك قيادة لهؤلاء المتآمرين وتمويلا لجهات معينة ينبغي أن تعرف الناس أسماءهم واحدا واحدا، وأن ينالوا جزاءهم بالقانون لا بالفضائيات.
لقد لاحظت وأنا أتابع تصريحات السادة النواب أن الجو مهيأ تماما للوصول إلى نتيجة محددة سلفا، هي أن ظروف المرحلة الراهنة تتطلب تجاوز القانون ورميه في أقرب حاوية، في محاولة لابتزاز المواطن المغلوب على أمره وتخييره بين أمنه ومستقبل عائلته، أو التمسك بشعارات فارغة عن الحريات واحترام القانون.
في صرخات مفعمة بالفزع كالتي سمعناها خلال الأيام الماضية من الطبيعي أن يتحول الإعلام إلى متهم بتشكيلة متنوعة من الجرائم، تبدأ بالانحياز للإرهابيين، وتنتهي بأنه يغار من المالكي، وبسلسلة مستهلكة من الكليشيهات المحفوظة عن الذين سيضيعون البلد لأنهم يكتبون عن الفوضى الأمنية وحقوق الإنسان.
إن أحداً لا يكره الأمان والاستقرار، غير أن الأمان لا يمكن أن يتحقق إلا بأن يكون القانون هو السيد على الجميع، ومن ثم فمحاولة إلغاء القانون وإصدار تشريعات استثنائية ولو بشكل مؤقت من شأنه أن يحول البلاد إلى غابة يحكمها الأقوياء ولا مكان فيها للضعفاء،خصوصا مع تلك النغمة الجديدة التي تجعل من متظاهرين يطالبون بإلغاء تقاعد النواب بالمتآمرين على سلامة الوطن، وبالتالي يصبح شيئا عاديا أن يُسحقوا وتنتهك كرامتهم.
وإذا رضينا وصفقنا لانتهاك القانون بواسطة نواب يفترض أن مهمتهم حماية القانون، فكيف نطالب المواطن البسيط باحترام القانون بعد ذلك؟ ولماذا لم يسأل أحدهم ما الذي جعل الإرهابيين يستشرسون ويستأسدون على عباد الله من العراقيين بهذا الشكل، سوى أن الأجهزة الأمنية فاشلة وعاجزة أو لا تقوم بدورها الحقيقي، إلا عندما يتعلق الأمر بتظاهرات ساحة التحرير؟!
جميع التعليقات 1
مواطن
أعلان حالة الكوارث!! وما نحن فيه من انتشار أمني مكثف ومداهمة المناطق والبيوت والفاء القبض العشوائي دون الرجوع الى القضاء هل له تسميه اخرى..