اعتاد المُتابعون لسياسة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، أيام رئاسة محمود أحمدي نجاد، على ان المُفاوضات مع الغرب حول الملف النووي تراوح في مكانها، بسبب اشتراط طهران، أن تتكامل الصفقة باعتراف دولي مُوثّق بنفوذها ودورها الإقليميين، غير أنّ الغرب، مع حساباته المُتعددة الجوانب، رفض هذا الابتزاز، وظلّ مُصراً على حصر التفاوض بهذا الملف، ومُستمرّاً بفرض العقوبات المتدرّجة على الإقتصاد الإيراني، رابطاً مسألة تخفيفها أو إلغائها بحل هذه المشكلة، أمّا اليوم فقد تغيّر ظاهر الصورة، مع الرئيس المعتدل روحاني.
مع روحاني، بات المطلب الإيراني هو مفاوضات نوويّة جادةٌ وجوهريّة، تُزيل المخاوف لدى الطرفين، مع القبول بحوار مباشر مع الشيطان الأكبر، إن أثبتت واشنطن حسن نواياها، وهذا تعبيرٌ واقعيٌ عن الرغبة في مغادرة الواقع الإقتصادي الصعب، والمانع لطهران من مواصلة دورها الإقليمي، عبر تمويل أتباعها وحلفائها، ما يستدعي لغة مختلفة عن لغة نجاد، تُحاول الإيحاء بمراجعة سياساته، مع أنّ واقع الحال يؤكد أنّ جوهر السياسة ثابت، وهو في كل الأحوال بيد ولي الفقيه، الذي يناور لكسب مزيد من الوقت، تدور فيه جولات مُفاوضات، تتزامن مع تخفيف العقوبات، التي يرزح الشعب الإيراني تحت وطأتها، وآخرها حظر تعامل طهران بالذهب، ما يُقفل الباب أمام مُقايضة صادراتها من الغاز والنفط، بهذا المعدن الثمين، الذي كانت تُحوّله لدولارات.
يبدو أنّ الدولة العميقة في إيران، قرّرت العزف على وتر روحاني، لمنع خنق الدولة اقتصادياً، مع تجاهل الروابط العميقة بين السياسة والاقتصاد، صحيح أن بإمكان الرجل تنفيس الاحتقان الداخلي، المُتزايد منذ قمع الثورة الخضراء، لكنّ المُؤكّد عدم قدرته، وعجزه عن تخفيف ضغوط القبضة الحديديّة للنظام، الذي منع الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، من حضور حفل القسم للرئيس الجديد، بسبب دوره في أحداث عام 2009، وهكذا فإنّ مهمة روحاني داخلياً، ستنحصر بإنعاش الاقتصاد ومحاربة الفساد، ولن يكون كافياً وعد روحاني ببذل الجهود، لإرساء الاعتدال والحدّ من التهديدات، فالسياسات التي تُقرر هذا الإتجاه، في يد المرشد والحرس الثوري.
في سياق مختلف ظاهرياً، فإنّ إعلان روحاني، أن الجمهوريّة الإسلاميّة خلال رئاسته، تبحث عن السلام والاستقرار، وتُعارض تغيير الأنظمة السياسية أو الحدود، بالقوّة أو بتدخلاّت أجنبية، يُجافي الواقع، وهو ترديد ببغائي لمزاعم قيادة إيران الفعليّة، وسواءٌ قبل الغرب دعوة روحاني، بقصر التفاوض على الملف النووي، أو خاض مفاوضات حول دور إيران الإقليمي، فإنّ النتيجة واحدة، ولأنّ مواقف طهران من القضيتين متداخلة، ويرفد أحدهما الآخر، فإنّ أيّ صفقة محتملة في أحد الملفين، ستظهر انعكاساتها جليّة في الثاني.
والسؤال اليوم هل يقتنع الغرب بجديد روحاني، مع قناعته بعدم القدرة على تغيير نظام الملالي، والاكتفاء بالتوقف عند لجم سياسته الإقليميّة، ومحاولة دمجها مع السياسات والمصالح الغربيّة، وليس مناطحتها، ومن قبيل ذلك ضبط الحدود اللبنانية مع اسرائيل، وهو هدف يستحق تنازلات غربيّة تُطالب بها وتتمناها طهران؟
روحاني.. لغةٌ جديدة
[post-views]
نشر في: 13 أغسطس, 2013: 10:01 م