هناك اعتقادٌ شعبيٌّ، موروثٌ يقول بان العراقي كارهٌ لحاكمه، أي حاكم، حتى أصبحت مقولة الإمام الحسين بن علي (ع) "ولا تُرض الولاة عنهم أبدا..." لازمةً لدى الكثير منهم حين يعاين الشخصية العراقية. ولنعترف بوجود بغضاء أزلية يضمرها العراقي للحاكم، بغضاء تحتمل معنيين أولهما إما أن جميع الحكام كانوا ظالمين، او أن الشعب بطبيعته جُبِل على البغضاء هذه. ولكي نقف على جوهر موضوعنا نجد أننا وبعد عقد من الزمان، أو بعد ثماني سنوات من حكم حزب الدعوة والكتل الإسلامية المتحالفة معه، لا يمكن أن نصف حالنا خلالها إلا بالخيبة والخذلان، فقد أجمع الشعب كله على أن حكومته لا تعبّر عن تطلعاتنا وتصورنا حول المستقبل.
هل تخرج الكلمات التي سمعناها من رئيس مجلس الوزراء في حديثه الأخير مع قناة "العراقية"، أو بعد حوادث تحكم القاعدة بمواعيد التفخيخ والتفجير أيام العيد وبعدها، وأخذها زمام المبادرة في الحرب والسلم معنا.. أقول هل تخرج هذه وتلك عن فهمنا للخيبة والخذلان والتقصير وسوء فهم السلطة في إدارة البلاد؟ ألا توصف بأنها كلمات يائسة، كالتي يسمعها المريض بالسرطان من طبيبه، الذي يخبره بان الأيام المتبقية له من الحياة قصيرة جدا؟ ترى هل كانت السنوات العشر قصيرة في العراق بحيث أنها لم تُمكّن الزعامة العراقية من مسك الأرض والقضاء على الإرهاب ووضع الخطط النهائية لإصلاح البنى والانتقال من مرحلة الصراع على السلطة إلى مرحلة فهم السلطة وإدارة البلاد من خلالها وما يجب أن تكون عليه؟
ولكي لا نظلم المالكي فيها لأنه لم يكن الزعيم العراقي الوحيد الذي يفضحه لسانه، ولم تسعفه أفعاله على تلافي أخطاء زعامته، يمكن الإشارة الى فترة حكم اكثر من "زعيم عراقي" عرف بخطبه الرنانة، لكنَّ جملة المشاريع التي نُفذت في الفترة تلك، استطاعت تغطية تضخم ذاته -كان يكثر من قوله (إنني وإنني وإنني)- وهي فيما يبدو تمثل عقبة كأداء عند الحاكم العراقي، حيث يلقي بتبعات فشله على الذين من حوله، ويحاول جاهدا التنصل من مسؤولياته، كيما يحاول إقناعنا بأنه لم يكن المسؤول الوحيد عن ما أخفق فيه في فترة حكمه. هل نتحدث عن أزمة زعامة عراقية، وهل كان الشعب العراقي مضللاً دائما لها؟
عبر التاريخ العربي الاسلامي عُرف العراقيون بكرههم للحاكم وبخروجهم عليه، حتى قال أحد الخلفاء الأمويين لعامله على البصرة:" ولو طلبوا منك أن تستبدل عليهم كل يوم والياً، فأفعل"، وهكذا قد تبدو متوالية الحاكم والمحكوم واحدة من معضلات الحياة العراقية، أو لنقل هي مرض عراقي بامتياز. لكن هل كان كل حكّام العراق على شاكلة زياد بن أبيه والحجاج وصدام حسين، لا يحدثنا التاريخ عن زعيم عراقي شريف بينهم، وظلت متوالية التعسف والظلم قائمة حتى بعد ان أسقط الأمريكان نظام صدام حسين ومجيء (ديمقراطية) الأحزاب الإسلامية، ولكي نقرب الصورة نقول قد تصح مقولة أنَّ الشعب العراقي وعلى مدار اكثر من نصف قرن، وهو المنظور القريب لقراءتنا، لم يحظ بزعامة حقيقية، ذلك لأننا لن نتمكن من تسمية حاكم وطني شريف، منصف، استطاع ان يأخذ العراق ولو لفترة قصيرة إلى بحبوحة الأمن والاستقرار والرفاه ونسيان القسوة. أنا شخصيا لا أتذكر أحداً. وحتى ما قام به عبد الكريم قاسم لا يمثل وجهة النظر العراقية كلها.
واحدة من اخطر أماني الشعب العراقي في الجنوب بخاصة، في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم أنه كان يقبل بتسمية شمعون بيرز رئيسا على العراق بدلا عن صدام حسين، وهي إشارة غاية في الخطورة، لأنها تمثل نهاية الأمل بالخلاص من الحاكم العراقي الظالم، ولا اعتقد بأن كراهية العراقي للحاكم نابعة من ضمير غير محب للسلطة بقدر ما هي تعبير عن رفض لسوء الإدارة ونظام الحكم والاستبداد وتبذير الثروات، وما تبرّم العراقي اليوم وسخريته من آلية عمل رئاسة الوزراء والبرلمان والقضاء والجيش والداخلية، إلا واحد من الأسباب التي جعلته كارهاً، رافضاً، متطلعاً للتغيير، وفي ذلك تسقيط لمقولة ان العراقي مفطورٌ على كراهية الحاكم، ذلك لأنه لم يحظ بحاكم وطني، وطني شريف بما في الكلمة من معنى.
لهذا يكرهُ العراقيُّ حُكّامَهُ
[post-views]
نشر في: 13 أغسطس, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...