في الجرائم عموما -والكبرى منها على وجه الخصوص- يبحث المحقق، اول ما يبحث، عن المستفيد الرئيسي من وقوع الجريمة، ثم يوالي البحث عن الدافع لارتكابها: هل هو الانتقام؟ هل هو الأخذ بالثأر؟ هل القصد الاستحواذ على مال او متاع؟ هل الفاعل أصيل أم مستأجر؟ هل ثمة محرض مستور والفاعل أداة ليس غير؟ و.. و..
حين تتجمع في جعبة المحقق النبيه المحترف، دلائل معينة، تضيق أمامه حلقة المشتبه بهم، وعلى تلك الحيثيات، يبني قراره الأخير، قبيل الإحالة للمحكمة المختصة.
استرجع ذاك الدرس البليغ الذي تلقيناه يافعين على مدارج كلية الحقوق ببغداد، وأطبق نظرية الدافع والمستفيد على ما يجري في تخوم المنطقة، من داميات الأحداث،، كسبحة كرت فصوصها بالتتابع.
دعك من تونس، دعك من اليمن، دعك من العراق، الذي تحطمت بناه الفوقية والتحتية، وأولها الإنسان العراقي، وتهديم صروحه العاليات من المتحف الوطني إلى المكتبات العامة ـ واستهداف العقول العراقية النيرة بالقتل والتنكيل او دفعها للهجرة.. دعك من سوريا وتهديم صروحها المعمارية، وانتهاك كنائسها العريقة، وجدع رؤوس منارات جوامعها الأثرية، دعك من الفتك بشعبها، من قتل منهم ومن هجر، دعك من التلويح لهذا البلد او ذاك بالويل والثبور وعظائم الأمور، لنجي إلى معقل آخر -تذكروا إنه لن يكون الأخير- (مصر، أم الدنيا).
بقلب دام أشهد في الأخبار دمار مكتبة الإسكندرية، ذاك الصرح المعماري الحضاري الذي تجاوز عدد الكتب فيه المئة ألف كتاب ( آخر إحصائية في زمن سوزان مبارك) خرابه لا يمكن تعويضه بمال الدنيا، ولا يمكن بعث معالمه من ركام رماد.
مصر الجامعات، الأهرامات، السينما الرائدة، المسارح الطافحة بالبشر، مصر طه حسين والطهطاوي وسعد زغلول، مصر دار الأوبرا ومسارب الصوت والضوء، مصر السنهوري وشوقي وسيد درويش،، مصر الرعيل الأول الذي تتلمذ على أيديهم كبار الكتاب في الوطن العربي، مصر، مصر، مصر.
حين يتوصل المحقق المستقل (افتراضاً) لاسم الفاعل ولقبه وهويته، ومحل سكناه، ويتبين دوافعه، يجفل، وترتعد فرائصه، إذ يشهد مدى الدقة والانضباط والتراتبية المتقنة التي صنعت بها الأحداث.. عندئذ سيصيبه العي إذ يهم بنطق الاسم الحقيقي للمستفيد الأخير من تلك الصعقات. ولسوف يذرف دمعا سخينا وهو يوقع على المحضر: نظرا لعدم توفر الأدلة، أو بالأحرى لعدم كفاية الأدلة: يغلق محضر التحقيق وتسجل كل تلك الجرائم ضد مجهول.!!
اللعنة: أي خزي سيلحق بأمة المليار نسمة، إذ تصم سمعها عن قهقهة شامتة يطلقها الفاعل المجهول كما البصقة: يا انتم... لستم أهل للحياة.
المنتظرون في الطابور!
[post-views]
نشر في: 18 أغسطس, 2013: 10:01 م