TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صلح الطائفتين صار أسهل؟

صلح الطائفتين صار أسهل؟

نشر في: 18 أغسطس, 2013: 10:01 م

كنت أحاول إشراك القارئ الكريم امس، في أفكار طرحها تقرير مركز الأزمات الدولية (آي سي جي) الذي يحاول تذكير السيد نوري المالكي بأن واشنطن فشلت في وقف العنف عبر تجييش الجيوش، وحين أعادت تقييم الخطط لجأت الى عملية بناء ثقة وصناعة ضمانات سياسية وتصميم مسار لرفع اي حيف لحق بالناس، مع حزمة إجراءات أخرى نجحت في محاصرة تنظيمات الموت. وفي الحقيقة فان واشنطن لم تقم بتحويل مقاتلي القاعدة الى ملائكة، ولكنها ساعدت السكان المحليين في المناطق الساخنة، على ان يقفوا في وجه طريقة حياة سوداء جاء بها المتشددون، ومنحت الناس هناك، خيارات جديدة يمكن من خلالها ان يمتلكوا مقدراتهم ويساهموا في صناعة مصيرهم. وكانت الانتخابات وسجالات البرلمان وضمانات "الراعي الدولي"، خيارا قليل الكلفة يمكنه ان يقدم لمناطق غرب العراق، بديلا عن خيار السلاح، ويجعلهم يعيشون أحراراً بلا زرقاوي. موفق الربيعي تحدث في المدى امس، كشاهد على ما حصل بين ٢٠٠٧ و٢٠٠٩، يوم كان قريبا من الأمريكان يشغل منصب مستشار الأمن، وذكر بوضوح انه مع "باقي الشهود" يشعرون بأن المالكي قام بتفريط رهيب بتلك المكاسب، حين لجأ الى "كسر القلوب والعقول" اي تخريب الضمانات السياسية وانتهاك المصالح المشتركة مع اطراف أساسية منتخبة شرعيا، وبشكل تنقصه اللياقة ويزخر بخرق القانون، ودوس على كل الاتفاقات، وهي أخطاء لم تعد عليه سوى بالعزلة والخسارات.
ان ما حصل في ٢٠٠٩ يزداد أهمية اليوم، كنموذج معالجة ننظر إليه بحسرة، ونحن وسط اقسى موجات الموت الذي وصل امس الأول الى ميناء ام قصر، شريان تجارتنا البحرية، وجعل المعنيين يقلقون بشأن مختلف منشآتنا الحساسة مثل النفط، ناهيك عن تحول عشرات المدن الى ميادين مشرعة أمام مقاتلة "الأشباح".
ويبدو لكثيرين ان استعادة ذلك الهدوء النسبي والنجاح في ردع القاعدة، عبر استئناف العمل مع المجتمعات المحلية وممثليه، صار اليوم اسهل من ٢٠٠٩. ففي تلك الأعوام لم تتح لأهل تلك المناطق، كل هذه الخبرة السياسية، ولم يكونوا يمتلكون هذا التمثيل الواضح، بينما صاروا اليوم يمتلكون شراكات مع الحكيم والصدر في حكومات محلية مهمة، استندت الى تنسيق برلماني كبير بين قوى كردية وشيعية كبيرة صنعت تفاًهما مهماً حول شكل إدارة الملفات الحساسة مع القائمة العراقية، وهي تمثل بشكل او بآخر، قطاعاً واسعاً من مراكز القوى في مناطق العنف.
لقد قطعت الأحزاب والكتل شوطا في بلورة مشاريع اتفاقات حول إدارة الأمن وتوزيع المال، وعملوا مع بعض بما يكفي لتعزيز تلك التفاهمات وتحويلها الى مشروع قائم يخفف من الشعور بالظلم السياسي عند شرائح واسعة، وهذا مستوى اختبار وتقارب لم يكن متاحاً عام ٢٠٠٩، رغم بقاء خلافات وانقسامات تتسبب بها صراعات سوريا وضغوطات ايران.
الجميع بدأ يشعر اليوم على نحو أوضح، ان ملف السجون خطيئة تتطلب إصلاحاً، وهكذا سياسة الاجتثاث الكيفي، والجميع شيعة وكرداً وسُنّة، يدركون بعمق خطر بقاء المؤسسة العسكرية مرتهنة بإرادة أفراد، وترتكب الأخطاء بلا محاسبة، وقل مثل هذا عن القضاء وما اتصل به. والجميع ايضا يدركون ان في وسع أهل العراق تقاسم ثرواتهم بشكل قانوني، عبر الصلاحيات الواسعة الجديدة لمجالس المحافظات، وحزمة إجراءات ستطبق لأول مرة مبدأ اللامركزية الذي سيضع الجميع أمام مسؤوليات جديدة.
إننا أمام تقارب في التصورات السياسية يمثل أرضاً جاهزة لتهدئة كبرى، ويدعم هذا شعور الجميع بضرورة وقف الموت. لكن الطرف الممسك بالسلطة يتعامى عن رؤية ذلك، لان سلطته شبه المطلقة ستكون في "خبر كان"، بمجرد ان تنجح الأغلبية البرلمانية الممثلة لكل الطوائف، في تطبيق ما اتفق عليه من إصلاحات، وما سينتهي اليه ذلك من تهدئة في وسعها ان تجعل الجميع يتفرغون لمتابعة الرزايا الأخرى في ملفات التنمية الجامدة، فتخلفنا التنموي منبع لخرابنا الأمني.
ان صلح الطوائف بحمولته الاجتماعية، يتطلب صفقة كبرى بمضمون سياسي. وتحققه اليوم يبدو اسهل مما حدث في ٢٠٠٩. والمنطقة ضاقت بالنزاعات وسيخدمها وجود عراق هادئ نسبيا يتعهد بدور اقليمي متعقل ومتوازن طائفياً وقومياً، لكن الشرط الأساسي لكل هذه الممكنات، لجم الفريق الحالي الذي لم يتعلم في حياته سوى العويل وهجاء الآخرين، وسوى تعويض العقد النفسية باستخدام القوة لإخضاع الآخرين، وهي سلسلة أخطاء أحاطتنا بالموت من كل مكان.
الأوان لا يفوت ابداً، وبلوغ الأخطاء الى مستواها هذا، سيعزز مشروعية التيار المنافس المطالب بالإصلاح والسلام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. احمد حسن

    الاستاذ سرمد المحترم ماذكر في مقالكم رائع لان القوة لاتجلب السلم الاهلي والنصر دائما للشعب والحكام زائلون وان كثير من الدول أحتلت لكن المستعمر رغم كثرة جيوشه لم يصمد أمام مجموعة من المقاتلين في المدن وهذا يعني لابد من المصالحة الوطنية الحقيقية بين السياسي

  2. قصي الحيالي

    تحياتي لك أستاذ سرمد لله يحفظك

  3. ابن العراق

    بمثل هذه العقلية التي تتمتع بالحس الوطني والحكمة والدراية يجب ان يتصف الحاكم في العراق لكي نتجنب المازق التاريخي الذي يضعنا فيه المالكي الان وانتج من جراء سياساته القاصرة القتل والترويع والفساد وعبث القاعدة والمليشيات بامن الوطن والمواطن بسبب جهل ساستنا

  4. خالد العزاوي

    تحية طيبة استاذ ارجو من صميم قلبي ان تكون متاكدا من كلامك هل سيحث هذا السؤال والتاكيد لك سيدي؟؟؟

  5. المدقق

    حلم ابليس بالجنة ... انكم تحلمون لانكم لا تهمكم مصلحة البلاد والعباد . بل ان الذي يهمكم هو تحقيق رغبة اسيادكم في عزل المالكي .. هيهات هيهات ايها الكتاتيب العناجكة .... هزلت

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram