لا أحد من حقه حرمان أي دولة، مهما كانت مساحتها أو عدد سكانها أو ثروتها، من رسم سياساتها وتحديد أولوياتها ومهامها على الصعيد الوطني. وكذلك الاعتراض على وجهة تجسيدها للمصالح الوطنية، وهي ترسم سياستها الخارجية ومنطلقات هذه السياسة.والكوكبة، او العولمة ا
لا أحد من حقه حرمان أي دولة، مهما كانت مساحتها أو عدد سكانها أو ثروتها، من رسم سياساتها وتحديد أولوياتها ومهامها على الصعيد الوطني. وكذلك الاعتراض على وجهة تجسيدها للمصالح الوطنية، وهي ترسم سياستها الخارجية ومنطلقات هذه السياسة.
والكوكبة، او العولمة التي حولت العالم إلى قرية عنكبوتية "شبحية"، رسمت حدوداً افتراضية بدل الحدود الجيوسياسية للدول، لم تعد تتعامل مع الحجوم والأعداد السكانية، فلكل دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة صوت واحد في قراراتها. والاختلاف لا يؤخذ به إلا في "النادي الأممي" صاحب القرار الملزم وحق النقض، وهو اختلاف يسري في مجلس الامن الدولي الذي يضم خمس دول في العالم، ليست بينها دولة قطر.
وقد لفتت قطر بعد انقلاب الابن على أبيه، أنظار المراقبين بتجاوزها للضوابط التي تتحكم في العلاقات بين الدول والامم، وهي ضوابط تُلزم كل الدول الكبيرة منها والصغيرة، بالمعايير الأممية التي اكدتها المواثيق والقرارات الصادرة عن النادي الاممي، ووقعت عليها سائر الدول المنتمية الى الامم المتحدة، ومن محدداتها احترام سيادة واستقلال الدول الأخرى وحقها في إدارة شؤونها الداخلية، وفقاً لمصالحها الوطنية العليا، والقيم الديمقراطية التي تراعي حقوق الانسان وتحترم خياراته.
وهي اذ تمعن في التجاوز، وتعبث في كل ما يمس حرمات وخيارات دول وشعوب أخرى، كما فعلت ولا تزال في العراق، وفي ليبيا وتونس وسوريا، ودخولها بقوة على خط الاحداث في مصر منذ التحولات العاصفة التي جرت فيها ابتداء بثورة ٢٥ يناير، فإنها تحرر نفسها من أي التزام باحترام حريات وخيارات القطريين، الذين تتحكم بهم وبثرواتهم وكل ما له صلة بحقوق الانسان والمعايير الأممية لدولة مدنية، شبه ديمقراطية، تخضع لانتخابات يُحتَكَم لنتائج الاقتراع فيها، في انبثاق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكل ما له علاقة بإدارة الدولة ومواردها، واعتماد المبدأ الديمقراطي في تداول السلطة. فما يجري في هذه الجزيرة لا يخضع لأي معايير من هذه المعايير، حتى ابسطها واقلها تجسيداً لإرادة مواطنيها، سوى أرادة المشيخة.
واذا أخذنا بالاعتبار ان قطر أصبحت، منذ تولي الشيخ السالف حمد، موطناً لقيادة التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، وقاعدة متقدمة حربية للولايات المتحدة، ومركز تنسيقٍ للموساد ودولة إسرائيل، فان هذه "الحضانة المتناقضة" للجزيرة، تنتج في واقع الأمر نهجاً وسياسة تبدو كما لو أنها شديدة التناقض مع كل مكون منها.
فهي كخيمة للاخوان وممر آمن للقاعدة، إعلامياً على اقل تقدير، لا تخضع للشريعة الإسلامية التي تسعى لفرضها على المجتمعات والدول الأخرى. بل ان مرجعها الإخواني المنافق "القرضاوي" يتجاور مع القاعدة العسكرية الاميركية، ومركز الموساد والاتصالات الاسرائيلية، دون ان يشعر بغضاضة او حرج من دواعي دينه ومذهبه.
ولو اخذنا الجانب الاخر من الحاضنة القطرية المتمثلة في القاعدة العسكرية الاقوى في الخارج للولايات المتحدة، لاصطدمنا بالتهريج القطري في تبني الجماعات "المقاومة" ضد الولايات المتحدة، كما في العراق وغيره، وما تقوم بتسويقه قناة الجزيرة على مدار الساعة، من تحريض على السياسة الاميركية وعدوانها هنا وهناك في العالم العربي والاسلامي.
لكن المشيخة تنسجم مع طبيعتها ونهجها، حين يتعلق الامر بإسرائيل وسياساتها، فهنا تبدو بوضوح على حقيقتها، اذ لا تخفي علاقاتها الودية معها، وتنسيقهما المشترك في العمل على إيجاد مواقع وثوب، تمكن من اختراق المساحات المفتوحة من الخيبة العربية وإخفاقاتها في التصدي لما تعتقده قدس أقداسها.
والملفت على هذا الصعيد تبينها القوي للجبهة المضادة لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، ورعايتها المعنوية والسياسية والمالية لحماس، وحكومة غزة الساقطة شرعيتها.
ووسط هذه المتناقضات تتولى قطر علناً دعم أشكال الإرهاب في اكثر من دولة عربية، وتسعى دون ان تتستر على ذلك، في إثارة الفتن الطائفية وتعميقها، وتمويلها وإدامة تغذيتها، وهي فتن تعزز مواقع التطرف والتشدد، وتودي بحياة الآلاف من المواطنين، كما هو الحال في العراق، وفي ليبيا، ويتجلى بأصرخ ما يكون عليه اليوم في مصر!
ان كل ما قامت وتقوم به، مما يدخل في باب "إرهاب الدولة"، اذ ينعكس في التمويل المباشر، وتغطية المشتريات من السلاح، والتحريض السياسي والاعلامي، وتأمين الملاذ الآمن للقيادة المتهمة بالارهاب على اراضيها، فهو لا يجد اي اعتراضٍ او استياء ولو شكلي من الولايات المتحدة أو من المجتمع الدولي.
ورغم الملاذ الآمن الذي توفره قطر للمحرمات الإسلاموية "من وجهة نظر الجماعات الجهادية، والقاعدة في مقدمتها"، فان مشيخة قطر تعيش بمنأى عن كل الجرائم والاستباحات التي تقوم بها هذه الجماعات التكفيرية، التي تتوعد وتهدد باستهداف المصالح الحيوية للولايات المتحدة وإسرائيل في كل بقاع العالم، دون أن توفر المدن الاميركية والأوربية وحلفاءهما، باستثنائها هي لا غير.
وكل هذا يعيدنا الى موقف يتعارض مع معايير العولمة وقيمها الاممية، فكيف يُفهم هذا الدور لقطر، في تصدير ارهاب الدولة، وفقاً لما وضعته الولايات المتحدة نفسها من ضوابط، تحاكم على ضوئه دور ايران، ودول اخرى سمتها بدول "محور الشر"، دون ان تواجه قطر بموقف اممي، من مجلس الامن، او من الجامعة العربية، بردعها او ادانتها ولو لفظياً، ومطالبتها بالتوقف؟
ان اغرب ما في المشهد الذي تقوم بدور البطولة فيه، جماعة تنتمي الى "ما قبل الدولة"، اذا ما استثنينا من دولتها العمران والبنيان والقناة الطائفية المثيرة للفتن والمشبوهة قومياً ووطنياً، هو إملاؤها مواقف وحسابات على دول كبرى، كما يفعل الآن وزير خارجيتها الجديد غير المخضرم، في الدول الأوربية، وينسق المواقف مع حكوماتها لتدويل ما يجري في مصر؟
هل هذا الإملاء المذل هو تعبير عن مقايضة بالغاز وصفقات السلاح لحساب الغير، والاستثمار والتجارة البينية؟ ام هو فوق ذلك، او خارج هذا السياق، اكبر من طاقة قطر على الاستثمار المالي والاقتصادي لهذا الدور، وبالتالي ليس سوى ما يعرف "بالمقاولة الثانوية" او "المقاولة من الباطن" برعاية أميركية اسرائيلية هدفها النهائي، إجهاض امكانية استنهاض الشعوب والدول العربية، لإرساء أسس دولٍ مدنية ديمقراطية على اشلاء الدول والانظمة الدكتاتورية، والطائفية الشمولية..؟
ثم ألا ينبغي التصدي لارهاب الدولة الذي تضطلع به مشيخة قطر، وطلب البحث في هذا الدور في الجامعة العربية والمحافل الدولية المعنية بذلك..؟
جميع التعليقات 3
علي عبد علي
سيأتي اليوم الذي تدفع فيه قطر ثمنا باهظا لما تقوم به من تخريب متعمد في الشرق الاوسط ككل. انها مسألة وقت ليس الا، و لا بد ان ينقلب السحر على الساحر في النهاية. هكذا كانت الامور في عالمنا، و هكذا ستبقى دون ادنى شك. و عندها سيتخلى حلفاء قطر الحاليون عنها كما
ابو علاء
للأسف خانك الصواب في هذا يااستاذنا الكريم
محمد سعيد
هل ان صعود قطر علي المسرح الدولي جاء فقط من جراء احتضانها تنظيم الاخوان الاسلامي السلفي ؟ ام انها استغلت امكاناتها الماليه غير الاعتياديه في اطار ظاهرة مرض الفساد المالي المستشريه لدي معظم الطبقات السياسيه وغيرها من الشرائح عبر العالم , ا