TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلّكم فقاعات!!

كلّكم فقاعات!!

نشر في: 19 أغسطس, 2013: 10:01 م

لا أذكر عدد الكتب التي قرأتها أو تصفحتها، عن شكسبير (أو الشيخ زبير مثلما كان يصر الراحل صفاء خلوصي على أن يسميه).. ولكنني أتذكر أنني منذ سنوات لم يمر أسبوع دون أن تطالع عيناي كتابا جديدا عن هذا الشيخ الذي تنكّر لعروبته كما أراد أن يقنعنا العقاد.. وجميع هذه الكتب تتحدث عن سر هذا الرجل وكيف أنتجت "قريحته" كل هذه السطور والعبر والمشاهد والمواقف التي لم تستطع ٥ قرون أن تطويها في "جب" النسيان. ويحدثنا لويس عوض في كتابة الممتع "رحلة إلى شكسبير" إنه استطلع آراء عشرات البريطانيين كان معظمهم يعتقد أن شكسبير قناع لأكثر من مؤلف، إذ لا يمكن لرجل واحد أن يمتلك كل هذه القدرة على تصوير الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد، فهو مثل كلكامش رأى كل شيء وكتب عن الضعف الإنساني والحب والجريمة.. لكنه كان وسيظل بارعا في تصوير الاستبداد والتسلط.. يكتب يان كوت في كتابه (شكسبير معاصرنا) ان الدارس لمسرحية شكسبير "مكبث" سيصاب بالحيرة وهو يطالع الدراسات التي تناولت هذه الشخصية المحيّرة.. ويؤكد أن ما كتب عن المسرحية يعادل ضعف دليل الهاتف لمدينة مثل لندن.
يقدم لنا شكسبير في مكبث صورة الحاكم المصاب بمرض جنون الكرسي. وكيف تختصر البلاد والبشر بكلمة من أربعة حروف "كرسي" والباقي مجرد كومبارس مهمتهم الهتاف لمن يجلس على عرش السلطة.. أو في أسوأ الحالات "فقاعات".
مكبث: للتراب فقاعات، كما للماء وهن من تلك الفقاعات. -أين اختفين؟
يعلمنا شكسبير الدرس الذي قاله المهرج في الملك لير: لا تفكر كثيرا في أرواح الناس لأنها مزعجة. بل لا تفكر في الناس أساسا، فهم يتوالدون. تعلم أن الناس تولد من أجلك وعليها ان تخاف من أجلك أيضا.
لماذا أصبح الخوف واقعا يريدون منا ان نعيش في ظله؟ مطلوب منا ان نخاف.. مواطن خائف بامتياز تتلفت حولك، تتوجس من جارك وصديقك.. وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى طائفتك.. ألم يقل مكبث: احذر ان تمد يديك لغريب لئلا تتلوث، لذلك عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع، عليك أن تخاف من العلماني والشيوعي لأنه كافر، ومن الشيعي لأنه ميليشيا، ومن السني لأنه قاعدة، وعندما يكتمل خوفك وتوجسك، سيدفعك مكبث إلى الخوف من أقرب الناس إليك. ويصبح مصير البلاد معلقا برضا رجل واحد وكأننا لا نريد أن نغادر عصر "القائد الأوحد" عصر الهبات والمنح والعطايا وأيضا العفو الخاص!
ودعونا نتساءل لماذا لا تتغير النظرة إلى الشعب الذي يعتقد قادتنا الأفاضل أنه مجرد قطيع لابد من ترويضه؟ للأسف لم نجد المالكي ومقربيه قد أصابهم الجزع وهم يشاهدون قوات الجيش تطلق النار على المتظاهرين.. لم يسألوا أنفسهم لماذا يقتل المواطن بدم بارد.. لماذا في كل حديث عن الإصلاح يهددون الناس بفزاعة الحرب الطائفية، لماذا يحشدون القطعات العسكرية في مواجهة أبناء الشعب.. ويعيدون إلى أسماعنا نفس الجمل والهتافات التي قيلت من قبل وكانت السبب في خراب البلاد، لماذا لا نجد في برنامج المالكي قضايا صغيرة عن الفقر والحرمان وكرامة البشر.. فيما تمتلئ خطبه بالكوارث "الماحقة" والقضاء على "الفقاعات" كما أخبرنا قبل يومين.
يقول يوليوس قيصر لقادة روما إن "أكثر ما يخافه الحاكم هو أن يعرف الناس عظمته والحقوق وحفظها والظلم وكيف يرفع، والإنسانية وما هي وظائفها والرحمة وما هي لذاتها".
كان المهرج في لير يضحك كلما سمع ملكه العجوز يتحدث: "هذا الرجل مصرّ على أن يقنع الناس بأن تصدق ما يقوله.. بينما هو في قرارة نفسه يضحك من جهل الآخرين وحماستهم"، هكذا يقدم لنا شكسبير صورة الحاكم الذي لا يسمع غير صوته.. ويعتقد أن مخالفيه مجرد فقاعات يمكن كنسها خلال ساعات.
الجميع أعداء ومتآمرون إلا أنت وجماعتك، لذلك لا يسمح لك بمغادرة أرض الخوف، مواطن خائف ومذعور أفضل عندهم من أولئك المغامرين بجرأتهم والمبادرين بانفتاحهم، الخائفون يسهل اقتيادهم وتدجينهم، يسهل غمر عقولهم بسيناريوهات المؤامرات التي لا يظهر لها دليل ولا برهان، يسهل إقناعهم بالخطر الذي يتهدد والعقيدة والطائفة.
عندما يخرج العراقي اليوم من بيته يضع يده على قلبه وهو يقول "اللهم نجنا مما يُخبّأ لنا" فهذا المخلوق الخائف والبائس طبع على أنه لا يستحق شيئا في الحياة حتى الحلم! فهو مجرد فقاعة.
يضحك مكبث: "كلكم فقاعات.. وهذا سيفي كفيل باختفائكم".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. خليلو...

    خارج مدار محتوى المقال والتعليق عليه:لم يقل الدكتور صفاء خلوصي هذا القول ابدا ،وانما هو منسوب اليه فعقله اكبر ممن ينسبون كل فخار وفضل الى قومهم- وانت يا ابا حسين لست منهم حتما

  2. آريين آمد

    مؤلم جدااااا. ان يتحول شعب باكمله الى فقاعة بعد ان حوله صدام الى قطيع من الخرفان الوديعة.

  3. علي

    عندي سؤال لحضرة الكاتب من هو الشعب ؟! اليس هو من انتج الحكومة بصناديق الاقتراع ؟واعضاء البرلمان هن نتاج الشعب ؟ اليس الشعب فيه الموظف المرتشي والتاجر الغشاش وفيه القتلة والخونة . الشعوب الجيدة تنتج حكومة جيدة مثلها مثل الارض التي تنبت نباتا طيبا . مع التح

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram