البرلمان مرآة للشعب، قد لا تعكس حقيقتنا بالكامل، لكنها تشبه بنسبة كبيرة، سمات العقل العراقي الذي يمشي في الشارع، ونلتقيه عند طابور الفرن، وفي الباص، وسنظل نكذب على انفسنا لو افترضنا أن أعضاء مجلس النواب مجرد "أشرار قادمين من كوكب آخر" ويزعمون أنهم يمثلون شعباً "متكامل الفهم، خبيرا وراقيا اشد الرقي".
نواقص البرلمان، تعبر عن خلل عميق في مستوانا كأمة خرجت لتوها من قبر الدكتاتورية. وفي القبر لم نتعلم شيئا سوى آلام العزلة، وها نحن تحت شمس الحقيقة. ان البرلمان مرآة لضميرنا الاخلاقي وخبراتنا الاجتماعية، لكن الشعب وهو ينظر الى البرلمان "مرآته" لا يريد ان يصدق ان الظاهر على سطح المرآة هو صورته وحقيقته.
لا يوجد عيب في الاعتراف بأننا نعاني نقصاً رهيباً في الخبرات المطلوبة لتدبير الدول. لكن العيب هو التهرب من الحقيقة، والانغماس في شتم "بيت الشعب الكبير"، لمساعدة أنفسنا على نسيان واقعة رهيبة هي تجسيد فشلنا التاريخي. أن مواجهة هذا الفشل والاعتراف به، ستكون بداية مسار التصحيح، والعثور على الطريق سيكون اسهل حين نتجرأ على النظر في هذه المرآة ومواجهة انفسنا.
وبالتأكيد فان هناك كفاءات ممتازة لم ينتخبها الناس. لكن ما من ضمانة في أن ينجح هؤلاء في تمثيل الجمهور لو كانوا في البرلمان. فالجمهور يكره دوما تلك "النخبة التي لا تشبهه" ويعدها متعالية تشبه الإفرنجة. وسرعان ما سيعترض على وجودها، وربما لن يتوانى عن سحلها في الشارع، وهي نخبة "لا يحميها احد".
ان ما يحصل اليوم وشكل برلماننا الحالي، هو تلبية لرغبة الجمهور في ان يرى نفسه في السلطة، والجمهور منزعج من شكله وتمثيله، ويبحث عن حل آخر موهما نفسه بأن هؤلاء المثيرين للضجة في مجلس النواب، اغراب عنه لا يشبهونه.
الجمهور سخط حين جاء "اولاد النبلاء" وأمسكوا زمام الدولة، ثم سخط حين رأى "ابناء الشعب العاديين" وهم يمسكون بزمام الدولة ويقعون في اخطاء رهيبة. الحل الوحيد هو ان نكون جزءا من عملية تعلم بطيئة وصعبة، وسيكون صوت النقد الذي نكرره كل يوم ويثير الملل أحيانا، جزءا من محاولة العثور على اقل الخيارات كلفة.
وخلال درب الالام هذا شهد البرلمان مراجعات مهمة، وذلك يعني ان شكلنا في المرآة، يأخذ في التحسن رويدا رويدا. اننا نتعلم ولكن ببطء، والمطلوب هو المزيد من الصراحة لزيادة ايقاع محاولة الامة المنهكة، العثور على فسحة آمنة. وصوت النقد العالي هو الخيار الوحيد الذي وجدته الامم لتصحيح مسارها، فالخيارات الاخرى انقلابات ودم ومحاولات لا تنجح ابدا، بل تعيد انتاج السوء.
وماذا عن رأس السلطة التنفيذية، ألا يمثل انعكاسا لصورة امة خارجة من قبر الظلم والقمع؟ نعم بالتأكيد، والمشكلة انه يشبه أسوأ ما في الامة، من روح متسرعة وعزة بالاثم، ووهم بالقوة. وخلال  اعوام، كان شكلنا المنعكس في البرلمان، يتطور وإن ببطء، ويبلور مشاريع مراجعة، ويتوافق على حزمة تشريعات بروح محاولات الاصلاح، ويرفع الصوت لتهدئة الدبابات الهائجة، وتخفيف صدمات الصراخ الطائفي من كل الجهات. اما صورة الامة في السلطة التنفيذية، فقد ظلت ناكصة عالقة في لحظة من الكذب والوهم، غير معترفة بجدوى المراجعة، ومتشبثة بلمعان الكرسي، بل مطالبة بالمزيد من الصلاحيات، ومتمنية "زوال البرلمان". ولذلك اقترح السلطان حل البرلمان من قبل خضير الخزاعي شتاء، وتداول إلغاءه بإعلان الطوارئ صيفا، وربما ابتهج بمعلومات مهاجمته من قبل تنظيم القاعدة نهار الاثنين متمنيا ان يشعر زعماء الكتل بالهلع ويهربوا الى منازلهم، ويخلصوا السلطان من "وجع الراس" رقابة وتشريعا. ألم يحاول السلطان ترويع النواب أيام سحب الثقة، برفع الحواجز الكونكريتية التي تحيط بناية مجلسهم، ظنا منه بأنهم سيأتونه حبوا على الركب، ليقبلوا حاشية ثوبه المزركش، كما في ألف ليلة وليلة، ويعلنوا التوبة؟
كلما فرحت بخطوة متقدمة يقوم بها ثلة من النواب، عبر تشريع يتسم بالحداثة، او يضع حدا للفوضى في مجلس القضاء او الحكومات المحلية، او يبعد هيئة الاجتثاث عن فريق السلطة، او يتحرك لكشف صفقة فاسدة.. فإنما افرح بصورة الامة العراقية وهي تتطور وتتعلم بألم، كيف ينبغي العثور على وصفة المراجعة.
صورة الامة في بيت السلطان، جامدة بلا حراك، تتراجع وتنكفئ وتحرك العساكر على غير هدى. وصورة الامة في بيت البرلمان، رغم كل ما يشوبها من آثار القبر، متحركة تحاول ان تقوم بالتصحيح. هناك سكون القبر، وهنا محاولة لرؤية الضوء. هذه امتنا، ونعجز عن التفكير باستيراد امة جديدة من المريخ.