TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أبناء علوان

أبناء علوان

نشر في: 23 أغسطس, 2013: 10:01 م

عدنان وسلمان وغزوان، ابناء علوان، خالفوا نصائح أبيهم، العامل في السكك، وانضم كل واحد منهم الى حزب سياسي مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي، الابناء الثلاثة كانوا بأعمار متقاربة، ونتيجة تأثرهم بأفكار وتوجهات زملائهم في كلياتهم، احدهم اصبح شيوعيا والآخر بعثيا، والثالث انضم الى تيار سياسي ديني، وهو الاصغر والأقرب الى ابيه، لالتزامه بأداء الفرائض الدينية، ولم تسجل عليه مخالفة في السجل العائلي، يقيم الصلاة بأوقاتها، وقليل الخروج من المنزل، يقرأ القرآن والأدعية بصوت مرتفع يسمعه حتى الجيران، فنال رضا الوالدين، عكس شقيقيه عدنان وسلمان، فقد نقلا الصراع السياسي بين حزبيهما الى داخل المنزل، ولطالما وصل النقاش الى المشاجرة ورفع الاصوات اثناء الدفاع عن الأفكار والبرامج، وسبل تحقيق النظام الاشتراكي في العراق في ظل وجود الحزب الحاكم، وتجاهل السلطة آنذاك التفكير باجراء اي نوع من الانتخابات.
عادة ما كان يبدأ النقاش بين عدنان الشيوعي وشقيقه سلمان البعثي في ساعة متأخرة من الليل بعد ان احتسى كل واحد منهم ربع عرق في باره المفضل، في شارع أبو نؤاس، وعندما يسمع الأب حديثهما، يخرج من غرفته، غاضبا، ومع سيل من الشتائم والتهديد يخاطب الاثنين بتكرار مقولته "طاح حظ السياسة العلمتكم على شرب العرك" فيضطر الشقيقان الى ارجاء المناقشة الى إشعار اخر.
الابناء الثلاثة كانون يتقاضون المخصصات الشهرية المخصصة للطلبة وتبلغ 15 دينارا، تستوفى منهم بعد التعيين، غزوان يعطي لوالديه جزءا من المبلغ، أما عدنان وسلمان، فكانا يقترضان منه مايسدد نفقاتهما لحين انتهاء الشهر، وفي كثير من الاحيان يرفض طلباتهما لانه لايريد ان يسهم في منح درهم واحد لأحزاب، اعلنت تبنيها مواقف عدائية تجاه الحركات السياسية ذات التوجهات الدينية، واتهمتها بالرجعية والوقوف ضد اقامة دولة مدنية في نظام اشتراكي.
بيت علوان عكس بشكل مصغر ما شهده العراق من صراع سياسي، فوصل الخلاف بين الاشقاء الثلاثة الى ذروته، وعجزت القواسم المشتركة الأسرية عن تحقيق التقارب في وجهات النظر، وعندما فارق الاب الحياة، والتحقت به شريكة حياته بعد سنة، وقبل اندلاع الحرب العراقية الايرانية، اضطر الشيوعي الى مغادرة العراق، وابعد البعثي من الحزب لاعتقال شقيقه غزوان بتهمة الانتماء لتنظيم "سياسي عميل"، وبهذه النتائج اسدل الستار على ما تبقى من بيت علوان، فيما ظلت نصائحه بالابتعاد عن السياسة تدور في اذهان الاشقاء الثلاثة، فنقلوها الى ابنائهم بوصفها وصية، تنسجم مع الواقع العراقي.
ابناء علوان وفي آخر زيارة لقبري الوالدين، ذرفوا الدموع وقدموا الاعتذار لتجاهلهم نصائحه، ووصيته فطلبوا منه الرضا، معربين عن اسفهم وندمهم بارتكاب "ذنوب" كانوا يعتقدون انها الطريق الوحيد لتحقيق عراق مزدهر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram