لطفية الدليمي
القسم الثاني
نشأت الدولة القومية في صورتها المعهودة للمرة الأولى في أوربا القرن التاسع عشر مستفيدة من نموذج الأمة - الدولة - Nation State The -الذي ساد في كتابات معظم المؤسسين للفكر السياسي و الليبرالي الحديث ( جون ستوارت مل مثالا ) ، بعد أن نمت البذرة الاولى لهذا النموذج في حاضنة عصر التنوير الاوربي باعتبارها ردة فعل على نموذج الأمة المتمحورة على طغيان النزعة الدينية أحادية اللون ( الإمبراطورية البيزنطية القائمة على المسيحية مثالا)...
وترافق نشوء الدولة القومية الاوربية الحديثة مع طغيان النموذج البروسي البسماركي في ألمانيا الذي عمد إلى استبدال قاعدة الدين الجامع للأمة والمهيمن على مصيرها وسياساتها ، بفكرة القائد العسكري الصارم ذي الإرادة الحديدية والذي يضفي عليه الخطاب السياسي صفات الداهية الشجاع والرمز القومي للأمة و يرضخ الأعداء أمام جبروته ، و هو من يحتل قمة القيادة العسكرية لجيش كبير تمت أسطرته و تحويله الى صورة مفخمة لمآثر و بطولات كانت السبب المباشر في طغيان النزعة العسكرتارية الصارمة، ويشدد خطاب القائد العسكري في كل مناسبة بأن القوة العسكرية هي الضامنة الأكيدة لوحدة الامة الرخوة وهي البديل لأي رابط ثقافي او اجتماعي ، وقد تبنى كثير من رؤساء العالم الثالث بعد استقلال دولهم هذا النموذج العسكري القامع ( كاسترو – صدام حسين – موغابي – وتيتو وعبد الناصر الذي جمع بين نموذج الدولة القومية والنزعة العسكريتارية – وكثير من رؤساء الدول الافريقية والأمريكية اللاتينية مترسمين خطى موسوليني في الجمع بين النزعة القومية والدولة –الأمة التي صنع أسطورتها كما أعلن في واحد من خطاباته ( لقد خلقنا أسطورتنا والأسطورة إيمان وحب ، ولابد ان تكون واقعا ، وهي واقع لأنها أمل وشجاعة وأسطورتنا هي الأمة ، وأسطورتنا هي عظمة الأمة )
في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي تسببت في كوارث بشرية صعبة الحصر أو التوثيق بدأت المراجعة الأولى الشاملة و القاسية لفكرة الدولة القومية المتمحورة على مبدأ الامة - الدولة ، و كانت سببا مباشرا في عقد حلقات دراسية و ورش عمل و مراجعات شاملة لأصول القانون الدستوري في اوروبا ، انتهت في نتائجها و خلاصاتها الى : أن المعضلات البشرية التي تقود الى صدامات كارثية وحروب وصراعات اثنية ودينية هي في جوهرها نتاج اختلال (مركب ثقافي - معرفي - Cultural- Cognitive Complex )، و أن نموذج الامة - الدولة المستند الى فكرة الدولة القومية لن يقود البشرية الا لمزيد من المغالاة في تركيز القوة و المال بأيدي دول معينة و يدفعها بالضرورة الى تعظيم قدراتها العسكرية لإدامة سطوة القوة و المال وتعزيزها ، فكان التوجه الحاسم لدى مراكز البحوث والدارسين المتخصصين لإجراء مراجعة شاملة لهذا النموذج أدت في خاتمتها وتوصياتها الى إعلاء شأن التعددية الثقافية Multiculturalism المقترنة بالأخلاقيات الليبرالية القائمة على التسامح وقبول الآخر و التي تعلي شأن الحس الفرداني Individuality و تعزز احترام حقوق الفرد و المساواة في الفرص في نصوص محددة وواضحة تتضمنها الدساتير ، ويتحدد دور الحكومة (كمجرد جهاز تنفيذي للدولة يعول عليه في توفير الأمن و الخدمات و برامج التأمين الاجتماعي و الصحي و التعليمي ) بعيدا عن اعتناق أيديولوجيا تقود بفظاظتها وعنفها الى منح الأولوية للفئة المهيمنة المفتقرة الى الخبرة والمعرفة وإقصاء المواهب البشرية الثمينة وتدميرها لأنها غير منضوية في السياق الايدلوجي ذاته.
يتبع
التعددية الثقافية أساسا في بناء دولة المواطنة الحديثة
[post-views]
نشر في: 24 أغسطس, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
Falah Hekmat
رائع و غاية في الاهمية هذا الاشتغال الكاشف للمواطنة كمعطى ثقافي راق و ليس كقيمة ايديولوجية يابسة . ثمة ( حقول الغام ) بيننا و بين أعلاء المواطنة في بيئة من تعددية ثقافية متطلعة . مباركة كشوفاتك الثقافية الثرية سيدتنا الرافدينية المبدعة .
Falah Hekmat
رائع و غاية في الاهمية هذا الاشتغال الكاشف للمواطنة كمعطى ثقافي راق و ليس كقيمة ايديولوجية يابسة . ثمة ( حقول الغام ) بيننا و بين أعلاء المواطنة في بيئة من تعددية ثقافية متطلعة . مباركة كشوفاتك الثقافية الثرية سيدتنا الرافدينية المبدعة .