TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التعددية الثقافية أساسا في بناء دولة المواطنة الحديثة

التعددية الثقافية أساسا في بناء دولة المواطنة الحديثة

نشر في: 24 أغسطس, 2013: 10:01 م

 لطفية الدليمي
القسم الثاني
 نشأت الدولة القومية في صورتها المعهودة للمرة الأولى  في أوربا القرن التاسع عشر مستفيدة من نموذج الأمة - الدولة - Nation State The  -الذي ساد في كتابات معظم المؤسسين للفكر السياسي و الليبرالي الحديث ( جون ستوارت مل مثالا ) ، بعد أن نمت البذرة الاولى لهذا النموذج في حاضنة عصر التنوير الاوربي باعتبارها ردة فعل على نموذج الأمة المتمحورة على طغيان النزعة الدينية أحادية اللون  ( الإمبراطورية البيزنطية القائمة على المسيحية مثالا)...
وترافق نشوء الدولة القومية الاوربية الحديثة مع طغيان النموذج البروسي البسماركي في ألمانيا الذي عمد إلى  استبدال  قاعدة الدين الجامع للأمة والمهيمن على مصيرها وسياساتها ، بفكرة القائد العسكري الصارم ذي الإرادة الحديدية والذي يضفي عليه الخطاب السياسي  صفات  الداهية الشجاع والرمز القومي للأمة و يرضخ  الأعداء  أمام جبروته ، و هو من يحتل  قمة  القيادة العسكرية لجيش كبير تمت أسطرته و تحويله الى صورة  مفخمة لمآثر و بطولات  كانت السبب المباشر في طغيان النزعة العسكرتارية الصارمة،  ويشدد خطاب القائد العسكري في كل مناسبة بأن القوة العسكرية  هي  الضامنة  الأكيدة لوحدة الامة الرخوة  وهي  البديل  لأي رابط  ثقافي او اجتماعي ، وقد تبنى   كثير من  رؤساء العالم الثالث بعد  استقلال دولهم  هذا النموذج العسكري القامع  ( كاسترو – صدام حسين – موغابي –  وتيتو  وعبد الناصر الذي جمع بين نموذج الدولة القومية  والنزعة العسكريتارية – وكثير من رؤساء الدول الافريقية والأمريكية اللاتينية  مترسمين خطى  موسوليني  في الجمع   بين النزعة القومية والدولة –الأمة التي صنع أسطورتها كما أعلن في واحد من  خطاباته  ( لقد خلقنا أسطورتنا والأسطورة إيمان وحب ، ولابد ان تكون واقعا ، وهي واقع لأنها أمل وشجاعة  وأسطورتنا هي الأمة ، وأسطورتنا هي عظمة الأمة )
في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي  تسببت في كوارث بشرية صعبة الحصر أو التوثيق بدأت  المراجعة الأولى الشاملة و القاسية لفكرة الدولة القومية المتمحورة على مبدأ الامة - الدولة ، و كانت سببا مباشرا في  عقد حلقات دراسية و ورش عمل و مراجعات شاملة لأصول القانون الدستوري في اوروبا ، انتهت في نتائجها  و خلاصاتها الى : أن المعضلات البشرية التي تقود الى صدامات  كارثية وحروب وصراعات اثنية ودينية هي في جوهرها نتاج اختلال (مركب ثقافي - معرفي  - Cultural- Cognitive  Complex )، و أن نموذج الامة - الدولة  المستند الى فكرة الدولة القومية لن يقود البشرية  الا لمزيد  من  المغالاة  في  تركيز  القوة  و المال  بأيدي دول  معينة  و يدفعها بالضرورة الى تعظيم قدراتها العسكرية  لإدامة  سطوة القوة و المال وتعزيزها ، فكان التوجه الحاسم لدى مراكز البحوث والدارسين المتخصصين  لإجراء مراجعة شاملة لهذا النموذج أدت في خاتمتها وتوصياتها الى إعلاء شأن التعددية الثقافية Multiculturalism المقترنة بالأخلاقيات الليبرالية القائمة  على التسامح وقبول الآخر و التي تعلي شأن الحس  الفرداني Individuality و تعزز احترام حقوق الفرد و المساواة في الفرص في نصوص محددة وواضحة تتضمنها  الدساتير ،  ويتحدد دور الحكومة  (كمجرد جهاز تنفيذي للدولة يعول عليه في توفير الأمن و الخدمات و برامج التأمين الاجتماعي و الصحي و التعليمي ) بعيدا عن اعتناق  أيديولوجيا تقود بفظاظتها وعنفها الى منح الأولوية للفئة المهيمنة المفتقرة الى الخبرة والمعرفة وإقصاء  المواهب البشرية الثمينة وتدميرها لأنها غير منضوية  في  السياق الايدلوجي  ذاته.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. Falah Hekmat

    رائع و غاية في الاهمية هذا الاشتغال الكاشف للمواطنة كمعطى ثقافي راق و ليس كقيمة ايديولوجية يابسة . ثمة ( حقول الغام ) بيننا و بين أعلاء المواطنة في بيئة من تعددية ثقافية متطلعة . مباركة كشوفاتك الثقافية الثرية سيدتنا الرافدينية المبدعة .

  2. Falah Hekmat

    رائع و غاية في الاهمية هذا الاشتغال الكاشف للمواطنة كمعطى ثقافي راق و ليس كقيمة ايديولوجية يابسة . ثمة ( حقول الغام ) بيننا و بين أعلاء المواطنة في بيئة من تعددية ثقافية متطلعة . مباركة كشوفاتك الثقافية الثرية سيدتنا الرافدينية المبدعة .

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram