(2- 2) الورقة الثانية: عدد أعضاء مجلس النواب زيادة عدد أعضاء البرلمان في كل دورة انتخابية أمر غير مقبول جداً، لأنه لا يمكن ان يتصاعد عدد أعضاء البرلمان في كل دورة إلى ما لا نهاية، وهذا أحد الأخطاء الدستورية في دستورنا . في كثير من الدول&n
(2- 2)
الورقة الثانية: عدد أعضاء
مجلس النواب
زيادة عدد أعضاء البرلمان في كل دورة انتخابية أمر غير مقبول جداً، لأنه لا يمكن ان يتصاعد عدد أعضاء البرلمان في كل دورة إلى ما لا نهاية، وهذا أحد الأخطاء الدستورية في دستورنا . في كثير من الدول عادةً ما يعاد النظر بعدد أعضاء البرلمان بين فترات زمنية طويلة نسبيا ( 10 او20 أو 25 او30 سنة) وبحسب نسبة النمو السنوي للسكان، فلو طبقنا الطريقة العراقية المنصوص عليها في الدستور لتحديد عدد أعضاء البرلمان بأن يكون نائب لكل 100 ألف نسمة، على الصين لكان عدد أعضاء مجلس النواب الصيني 13,400 (ثلاثة عشر ألفاً وأربعمئة ) نائب لأن عدد سكان الصين مليار وثلاثمئة وأربعين مليونا تقريبا. ولو طبقناها على مصر سيكون لدينا 900 نائب لأن عدد سكان مصر يبلغ 90 مليونا، عدد أعضاء مجلس نواب الشعب الصيني يبلغ 2988 نائبا وعدد أعضاء مجلس الشعب المصري (كما حدده الدستور المصري في آخر تعديل بعد ثورة 25 يناير) 544 نائبا بعد ان كان 444 نائبا لعدة عقود، لذلك يجب تعديل الدستور العراقي لتحديد عدد أعضاء مجلس النواب أو بوضع آلية تناسبية تضمن عدم حصول زيادة متواترة في العدد مع ملاحظة منحهم مكافأة شهرية لأداء عملهم التشريعي لأنهم ليسوا موظفين بل هم تشريعيون ينصرفون إلى أعمالهم المعتادة بعد نهاية خدمتهم التشريعية .
الورقة الثالثة: حصة النساء
(الكوتا النسوية)
لنأخذ انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة مثالاً لتحقيق الكوتا النسائية ، فقد ورد في المادة (13) / ثانياً من قانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم (36) لسنة 2008 المعدل مايأتي: (توزع المقاعد على مرشحي القائمة المفتوحة ويعاد ترتيب تسلسل المرشحين استناداً إلى عدد الأصوات التي يحصل عليها المرشح ويكون الفائز الأول هو من يحصل على أكثر عدد من الأصوات ضمن القائمة المفتوحة وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين على أن تكون امرأة في نهاية كل ثلاثة فائزين بغض النظر عن الفائزين من الرجال.).
هذا النص يشكل تعارضا واضحاً مع نصوص الدستور وحسب التفصيل الآتي:
إن عملية تخصيص المقاعد للحصة النسائية (الكوتا) حسب نص القانون المذكور جاءت معيبة ومخالفة للدستور الذي نص على ألا تقل حصة النساء عن 25% من عدد المقاعد. ولم يحدد الدستور بما لا يزيد أو يقل عن 25%، أي ممكن أن تكون أكثر من هذه النسبة (لا تقل عن الربع)، ولكن واقع الحال أن النسبة كانت دائما اقل من الربع بحكم الطريقة الخاطئة لاحتسابها كما حصل في جميع التجارب الانتخابية السابقة حيث يتم إكمال الكوتا إلى ان تصل إلى الربع بإعادة توزيع مواقع النساء في القوائم الفائزة، بل يتعداه إلى استبدال الرجال الفائزين بأرقام عالية في قوائمهم الحاصلة على مقعد واحد بامرأة من نفس القائمة حاصلة على عدد اقل بكثير من الأصوات التي حصل عليها زميلها في القائمة. هذا يتعارض تحديداً مع ما نص عليه الدستور في المادة 14 التي تدعو لعدم التمييز بسبب الجنس (الرجل والمرأة).
إن منح المرأة هذه الكوتا في الدستور هو استثناء لتمكينها من الاشتراك في الحياة السياسية والتشريعية وليس ميزة لها تمتاز بها على الرجل، بل بسبب ان واقع حال المرأة بشكل عام في المجتمع العراقي يستدعي اتباع سياسة التمكين للمرأة، بعكس واقع حال المرأة بشكل عام في المجتمعات الأوروبية مثلا التي لا يتطلب اتباع سياسة تمكين معينة مثل وضع الكوتا الانتخابية للمرأة في دساتير تلك الدول.
من هذا المنطلق فإن هذا الاستثناء الذي يرد على واقع حال المرأة في المجتمع العراقي لا يعني بالضرورة عدم وجود نساء متمكنات لسنَ بحاجة إلى هذا الاستثناء (الكوتا) بل قد يكون بعضهن يستنكفن من التمتع بهذا الاستثناء ويعتبِرنَه انتقاصاً من كرامتهنّ أو شخصيتهنّ كشريكٍ مساوٍ للرجل ويؤمِنَّ بقدراتِهنّ التنافسية الانتخابية مع الرجل. وحصل فعلا في معظم التجارب الانتخابية السابقة ان فازت بعض النساء بقوتهن السياسية الانتخابية ولم يكنَّ بحاجة للكوتا، بل على العكس حرمت بفوزِهن بالكوتا نساء أخريات من التمتع باستثناء الكوتا الذي منحه الدستور لهن، وبهذا فان القانون الانتخابي موضوع البحث خرق الدستور في المادة 15 منه (لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية ....) وهو حق المرأة (لكل فرد) في حرية الاختيار (الحرية) في ان تتنافس انتخابيا ضمن الكوتا أو خارجها، والمادة 20 من الدستور حول حق المرأة في التمتع بحقوقها السياسية التي هي التي تختار طريقة التعبير عنها سواء من خلال الكوتا أو من دون الكوتا ، وليس إجبارها على التعبير عن حقها أو ممارسته من خلال الكوتا فقط.
إن الدستور لم يقدم هذا الاستثناء على انه استثناء لمبدأ العدالة والمساواة ولا يصح القول ان الكوتا النسائية هي أيضا استثناء لمبدأ تكافؤ الفرص الذي نص عليه الدستور في المادة 16 منه، بل على العكس من ذلك ان الدستور اكد على مبدأ تكافؤ الفرص وطالب الدولة بان تتكفل ( باتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك) وكان على المشرع ان يجد طريقة عادلة ومنصفة لتحقيق ذلك وضمان عدم خرق مبادئ الديمقراطية والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بسبب الجنس، ليس من خلال الطريقة المتعارضة مع الدستور التي وضعها القانون المذكور في توزيع مقاعد الكوتا النسائية على النساء على حساب الفائزين من الرجال.
إن الطريقة المثلى لتحقيق ذلك وضمان حقوق الجميع رجالاً ونساء هي ان يكون للناخب في الدائرة الانتخابية الواحدة صوتان، الأول لكوتا النساء والثاني للتصويت العام حيث تخصص نسبة 25% من مقاعد الدائرة الانتخابية للتصويت على المرشحات من النساء ويكون باقي مقاعد الدائرة الانتخابية التي تمثل 75% مخصصة للتنافس العام رجالاً ونساء (خصوصاً النساء اللواتي يرفضن الكوتا ويؤمنَّ بقدراتهن في مواجهة الرجال) ، ويفوز بهذه المقاعد الـ(75%) من يحصل على أعلى الأصوات أو من يحصل على سعر المقعد (أي ما يؤهله للفوز بمقعد) سواء كان رجلا أو امرأة وبذلك نضمن تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة دون تمييز على أساس الجنس، وضمانا لما ذهب إليه الدستور في المادة 49 / رابعاً حينما نص على (يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع) وليس محددة فقط بالربع دون زيادة، ذلك انه قد تفوز بعض النساء بقوتهن الانتخابية دون حاجة للكوتا كما هو حاصل في التجارب السابقة أو يتوقع حصوله وازدياده في المستقبل.
إن هذا الاستثناء الذي ورد في الدستور بمنح المرأة الكوتا لتمكينها وضمان مشاركتها في الحياة السياسية والتشريعية والرقابية لا ينبغي ان يكون مؤبداً بل يجب ان ينتهي وتعود المرأة للمنافسة الطبيعية مع الرجل دون كوتا . ومن أهم مجساتنا التي نستشعر بها عدم الحاجة إلى استمرار الكوتا هي اتباع الطريقة التي أشرت إليها أعلاه بالتصويت لمقاعد النساء والتصويت للمقاعد العامة بصوت آخر , فإذا حققت النساء مستقبلا مع التطور والتنمية المتوقعة نسبة الـ(25%) أو اكثر من خلال صندوق التصويت العام لا من خلال صندوق التصويت للكوتا عندها نعمل على تعديل الدستور بإلغاء كوتا النساء.
كما أود ان أذكر ان تحقيق كوتا النساء بهذه الطريقة يصلح لانتخابات القوائم المغلقة التي لا يوجد فيها تصويت للمرشحين بل يفوز المرشحون بالمقاعد التي فازت بها كياناتهم حسب تسلسلهم في تلك القوائم كما حصل في انتخابات 2005.ِ
وهناك أمثلة كثيرة في العالم حسب النظام الانتخابي كأن يكون هناك اكثر من صندوق اقتراع للناخب الواحد في المحطة الانتخابية الواحدة أو ان هناك ورقتي اقتراع للناخب الواحد في المحطة الانتخابية الواحدة أو ان ورقة الاقتراع مقسمة إلى قسمين العلوي للتصويت العام (75% كما في مثالنا أعلاه) والسفلي للتصويت الخاص بالكوتا النسائية الـ(25%) ، وهذا ما حصل في الانتخابات المصرية الأخيرة بعد ان تم تعديل النظام الانتخابي المضمّن في الدستور المصري وتأثراً بالممارسات الانتخابية المعاصرة ومنها التجربة العراقية في تخصيص كوتا ثابتة للنساء، حيث كان الناخب المصري يصوت مرتين ،الأولى في صندوق التصويت العام والثانية في صندوق العمال والفلاحين وأصبح يصوت مرّة ثالثة في صندوق الكوتا النسائية (60 مقعدا للنساء في مجلس الشعب المصري) ولم يمنع النظام الانتخابي المصري ان ترشح المرأة المصرية في الاقتراع العام شريطة ان لا ترشح على اقتراع الكوتا النسائية.
الورقة الرابعة: تصويت
القوات المسلحة
في الدول التي تتمتع بالاستقرار السياسي وتحسن تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات وتتبع أيضا المعايير المهنية وتراعي مبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص في تعيين موظفيها خصوصاً في سلك القوات المسلحة حيث تكون هذه القوات بعيدة عن التأثيرات السياسية ويكون الولاء فيها للوطن وللدستور فقط ، يمكن التكلم عن السماح للقوات المسلحة بالاشتراك في عملية التصويت. ومن هذه الدول أستراليا ونيوزيلندا وفرنسا وكندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والسويد والتشيك وغيرها. أما الدول التي تمر بمراحل انتقالية وتحاول تأسيس مؤسسات دستورية رصينة متبعة النمط الديمقراطي في الحكم وإدارة الدولة خصوصا إذا كانت هذه الدول تتكون من مكونات اجتماعية مختلفة وأحزاب أيديولوجية أو ذات خلفيات عرقية ودينية ومذهبية، فيتحتم عدم المجازفة بإشراك القوات المسلحة في الممارسات السياسية وإبقائها بمنأى عن العمل السياسي للحفاظ على حيادية واستقلالية القوات المسلحة وعدم تمييع دور القوات المسلحة في الحفاظ على الدستور وحماية العملية الديمقراطية. هذا من الجانب السياسي ومن الجانب الأمني فان إشراك القوات المسلحة في الانتخابات يشكل تهديداً للأمن القومي للبلاد من خلال كشف بيانات القوات المسلحة بالعدد والرتب والأسماء، حيث يفترض ان تكون هذه البيانات بمنتهى السرية أيضا لأن مراكز اقتراع العسكريين يمكن ان تكون أهدافا سهلة للإرهاب في بلد كالعراق. وبفرص احتمالات قوية قد تقوم قيادات هذه القوات التي لم يتم اختيارها أصلا على أساس المهنية بل على أساس الولاءات الحزبية (حالة قوات الدمج كمثال واقعي)، بالتأثير على إرادة الجنود والمنتسبين للتصويت لصالح جهة معينة ، وهذا مهم جداً، تهديد السلم الأهلي حين يصوت مثلا 60 أو 70 % من المصوتين الفعليين لصالح كيان سياسي معين ما يحدث إحباطا لدى شرائح اجتماعية كبيرة تدين بالولاء أو الإيمان لأحزاب أخرى حيث ستفقد ثقتها بالقوات المسلحة كونها المؤسسة الأولى المسؤولة عن حماية الدستور والمجتمع ككل. ومن الدول التي لا تسمح بتصويت العسكريين دول أمريكا اللاتينية القلقة نسبياً كالأرجنتين والبرازيل والأكوادور، وأيضا الكونغو وأندونيسيا وتركيا ولبنان ومصر قبل قرار المحكمة الدستورية الأخير، وغيرها من الدول، وأورد في هذا المجال مثالين صارخين على خطورة السماح للقوات المسلحة بالتصويت، ففي لبنان الذي يكاد يتطابق وضعه السياسي والاجتماعي مع الوضع العراقي فإن القوات المسلحة غير مسموح لها بالتصويت في الانتخابات للأسباب التي ذكرتها أعلاه.
أيضا هنالك حالة نعيشها هذه الأيام وهي السماح للقوات المسلحة المصرية بالاشتراك في التصويت حيث قررت المحكمة الدستورية المصرية ذلك في أيار الماضي وجوبِهَ قرارها بردود أفعال كبيرة رافضة ومؤيدة واقتبس منها مثلا ما صرح به اللواء عادل المرسي، رئيس القضاء العسكري الأسبق وعضو مجلس الشورى، مبدياً تحفّظه على السماح للجيش والشرطة بالتصويت في الانتخابات. وقال المرسي في تصريح إن قانون مباشرة الحقوق السياسية لسنة 56 كان يسمح لرجال القوات المسلحة بأن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات إلا أن التجربة العملية أثبتت أن هذا الأمر يؤدي إلى الانشغال بالسياسة والتحزّب وتم تعديل القانون وإعفاء رجال الجيش من التصويت. وأوضح أنه "على إثر ذلك صدر قانون خدمة الضباط رقم 232 لسنة 59 لينظم خدمة الضباط ويحظر عليهم إبداء آرائهم السياسية وانتمائهم للأحزاب أو تكوين جمعيات أو تأسيس شركات").
إن قرار المحكمة الدستورية بحسب بعض السياسيين والمراقبين المصريين يعني انه جاء لمصلحة ما سيقوم به المتظاهرون في 30 يونيو الماضي، بل جاء ممهداً لها حيث ان معظم القوات المسلحة المصرية تدين بالولاء للثوار المصريين اللبراليين واليساريين والقوميين وهم الجبهة المعارضة للإخوان المسلمين، الأمر الذي سوف يضيف رصيداً كبيراً لهم في حال إعادة الانتخابات، وسيخطفون الفوز بأغلبية ما لا يقل عن مليون عسكري سيغيرون المعادلة ، من هنا ثارت حفيظة الإخوان ومطالباتهم بإلغاء قرار الدستورية وعدم السماح للعسكريين بالتصويت. وهنا أيضا لا تريد قوى معارضة للحكومة العراقية تصويت العسكريين خشية استغلال أصواتهم لصالح جهة واحدة موالية للحكومة.
* رئيس المفوضية العليا للانتخابات سابقا