خالف الاتحاد العراقي لكرة القدم كل التوقعات التي أشارت الى قرب إقالة المدرب بتروفيتش من قيادة منتخبنا الوطني، بعد الخسارة القاسية امام تشيلي بسداسية نظيفة، فتم الابقاء عليه الى نهاية عقده في آذار المقبل.
لا يمكن الحكم على المدرب من خلال اشهر قليلة او لعدد من المباريات، مثلما نفعل دائما، فنحن اولاً واخيراً، تتحكم بنا العاطفة، التي تقودنا الى التطرف، سواء في الفرحة او الحزن، في القبول او الرفض.. فمثلاً المدرب الذي يحقق نتيجتين او ثلاثا جيدة، نعده افضل مدرب في العالم ويجب الابقاء عليه حتى لو كان مؤقتاً، لانه الاختيار الأمثل، وفي حالة اي تعثر او خسارة، نهبط به من السماء الى الارض، ويصبح عدو الشعب العراقي، والرجل الذي يجب إبعاده والقضاء عليه لأنه سبب الانكسارات والهزائم والتراجع، فنحن نلصق به كل شيء، لأنه وحده المسؤول!
هذا التطرف في الحكم على الآخرين وعملهم، يجعلنا عاجزين عن تقييم ما يحصل بموضوعية، وهذا ما يقودنا بشكل دائم الى الخطأ، حتى إن بدا في احيان قليلة انه الصواب، فالعمل في المجال الرياضي، يحتاج الى تخطيط اولاً ووقت ثانياً، وتوفير كل العوامل التي تساعد المدرب على النجاح، كما ان العمل لا يكون مثل القطعة، أي ان يبدأ كل مدرب من جديد، ويلغي ما عمله المدرب الذي سبقه، بل يكون امتداداً له، مع بعض اللمسات الجديدة، وتغيير تدريجي للأسلوب في اللعب.
نحن نريد من المدرب النتائج فقط، ولا يهمنا أي أمر آخر، سوى ما يتعلق بميولنا، وخاصة بالنسبة للاعبين، فكل واحد يعشق ناديا، يريد كل لاعبي المنتخب من فريقه، وهنالك من يفضل لاعبين معينين، واذا لم يتم استدعاؤهم او ان يشركهم المدرب لفترة محدودة، فإنهم ينعتون المدرب بالجاهل الذي لا يفهم شيئاً.
اما الطامة الكبرى، التي تقضي على اللاعب العراقي منذ بدايته، فهي استهلاكه بصورة بشعة، فنجد لاعباً يبرز في مباراتين او ثلاث في الدوري المحلي، فيتم استدعاؤه لمنتخب الشباب، ليلعب بشكل جيد في عدد قليل من المباريات، ليجد نفسه لاعباً في المنتخبين الاولمبي والوطني، وهذا أمر لا يحدث إلا في العراق، فكيف يستطيع لاعب ان يلعب في اربعة فرق في وقت واحد (ناديه ومنتخبات الشباب والاولمبي والوطني) برغم ان الكل يصرح في جميع الاوقات انه لدينا قاعدة كبيرة من اللاعبين الموهوبين، فكيف لدينا عدد كبير من الموهبين، وفي الوقت ذاته نعجز عن ايجاد لاعبين لمنتخب واحد فقط، ولا يلعب لمنتخب آخر؟
الابقاء على المدرب الصربي، حالة صحية، لأن أهم بديهية للنجاح في اي عمل تتمثل بالاستقرار، ووسط الكم الهائل من القرارات الارتجالية التي تعودت عليها كرتنا العراقية، فإن استمرار المدرب الصربي تعــد حالة (شاذة) برغم انها صحية وصحيحة.
القرارات الارتجالية ليست وليدة السنوات الاخيرة، بل حالة عامة تعوَّدنا عليها، وصارت هي الاساس في تفكيرنا وتصرفاتنا، فدعونا نكمل العقد مع مدرب المنتخب، لأول مرة مهما كان الثمن، لان الأهم من النتائج، هو العمل المنتظم الذي تكون ثمرته تحقيق النتائج الجيدة.
كرتنا بحاجة الى الاستقرار، الذي من خلاله نستطيع إيقاف التراجع في المستوى الذي في كثير من الاحيان لا يهمنا بقدر النتائج، والتي تكون آنية، لان من يقدم مستويات جيدة، سيحصد النتائج عاجلاً أم اجلاً، بينما من يهتم فقط للنتائج، سيظهر على حقيقته في الاستحقاقات الجدية ، ويخرج منها مذلولاً، مثلما فعل منتخبنا في الدور الأخير لتصفيات مونديال 2014 ومباراته امام تشيلي.
التطرّف
[post-views]
نشر في: 24 أغسطس, 2013: 10:01 م