اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > لصوص المقابر والمتاجرة بجثث الموتى

لصوص المقابر والمتاجرة بجثث الموتى

نشر في: 25 أغسطس, 2013: 10:01 م

في كلية الطب بجامعة سان فرنسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية تشترط كلية الطب أن يعقد قدامى الطلبة ورشة عمل يحضرها الطلبة المستجدون ليحدثوهم عن تجربتهم في التدريب على أجساد الموتى، ومشاعرهم حيال ذلك، والتأكيد على ضرورة التعامل مع الأجساد بالاحترام وال

في كلية الطب بجامعة سان فرنسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية تشترط كلية الطب أن يعقد قدامى الطلبة ورشة عمل يحضرها الطلبة المستجدون ليحدثوهم عن تجربتهم في التدريب على أجساد الموتى، ومشاعرهم حيال ذلك، والتأكيد على ضرورة التعامل مع الأجساد بالاحترام والعرفان. 

هنالك يتعود الطلبة حمل الأعضاء بكل عناية؛ ووضعها على المنضدة بحرص كأنهم يخشون أن يشعر الميت بالألم إذا ارتطم أحد أعضائه بالسطح المعدني لمنضدة التشريح. وإمعاناً في الاحترام يطلق بعض الطلبة أسماء حقيقية على الأجساد. لكي نفهم السبب وراء حرص علم التشريح المعاصر احترام أجساد الموتى علينا العودة لتاريخ بدايات هذا العلم؛ الذي لم يكن احترام الجسد أحد أولوياته.

 

كان بطليموس الأول الذي حكم مصر قبل ميلاد المسيح بثلاثمائة سنة، أول حاكم يسمح للمشتغلين بالطب بتشريح الموتى لمعرفة تركيب جسم الإنسان، ووظائف أعضائه المختلفة. وربما يعود تقبل الحاكم والمجتمع لهذه الفكرة إلى تاريخ مصر العريق في عمليات تحنيط الموتى التي كانت تتطلب فتح الأجساد ونزع أحشائها. كما كان بطليموس نفسه مغرماً بعلم التشريح، فلم يكتف بسن قانون ملكي يشجع الأطباء على تشريح المحكوم عليهم بالإعدام، بل كان يحضر شخصياً ويشارك المختصين في تلك العمليات.
وقد استمر التقليد البطليموسي الذي سمح بالاستفادة من أجساد المحكوم عليهم بالإعدام في دراسة التشريح، وانتشر في أنحاء مختلفة من العالم، ووصل ذروته في بريطانيا إبان القرن الثامن عشر عندما أنشئت مدارس خاصة للتدريب على تشريح جسم الإنسان في العديد من كبرى مدنها، ومع زيادة عدد تلك المدارس زادت الحاجة إلى أجساد الموتى. وفي تلك الحقبة لم يكن قد بدأ تقليد التبرع بالأجساد من أجل العلم. وقبل صدور القانون الذي سمح بتشريح أجساد الموتى عام 1836م اقتصرت عمليات التشريح في بريطانيا منذ القرن السادس عشر على أجساد مرتكبي جرائم القتل المحكوم عليهم بالإعدام.
لذلك ارتبطت مهنة علماء التشريح في أذهان عامة الناس بمهنة (الجلاد)، بل ربما اعتبروهم أسوأ من الجلادين، على اعتبار أن تشريح الجسد بعد الموت أشد بغضاً وكراهة من الموت نفسه. ويؤكد البعض أن هدف السلطة من السماح لعلماء ودارسي التشريح الاستفادة من أجساد المحكوم عليهم بالإعدام، لم يكن تشجيع العلم والتعلم بقدر ما كان رادعاً للمجرمين والقتلة؛ طبقاً للاعتقاد السائد أن الموت في حد ذاته عقوبة أهون من تشريح الجسد بعد الموت. كان الإعدام في ذلك التاريخ العقوبة الأكثر شيوعاً، حتى على الجرائم التي تعد جنحاً في وقتنا الحاضر، لذلك كان من الضروري تمييز جرائم القتل بتغليظ عقوبتها، فلا تقتصر على إعدام المجرم؛ بل يضاف إلى الإعدام عقوبة تشريح الجسد بعد الموت. بما أن عقوبة سرقة خنزير كانت الموت شنقاً، لذلك توجب أن تكون عقوبة جريمة قتل إنسان الشنق ثم التشريح!
وللتغلب على النقص الشديد في الأجساد المتوافرة لدراسة علم التشريح؛ لجأ المعلمون في بداية نشأة مدارس التشريح البريطانية والأمريكية إلى وسائل ملتوية أو غير قانونية للحصول على مرادهم. كان بعضهم ينتهز فرصة وفاة أحد أقاربه فيتكفل بنقله إلى الكنيسة أو المقبرة، وفي الطريق يُعرّج به على قاعة التشريح، حيث يتوقف لبضعة ساعات تكفي لإجراء عملية التشريح. أما عالم التشريح وليام هارفي الذي عاش خلال القرن السابع عشر وارتبط اسمه بالدورة الدموية؛ فقد اشتهر بتشريحه لجسدي كل من والده وشقيقته، وقد برر فعلته بأنه لم يرض اللجوء إلى البديل المتاح في ذلك الوقت المتمثل في سرقة أجساد أقارب الآخرين، ولا يريد كذلك أن يضطر إلى التخلي عن أبحاثه.
لم يكن هذا المنطق هو القاعدة طوال تاريخ مدارس التشريح البريطانية، فقد كان نبش القبور الحديثة من أشهر الطرق المستخدمة للحصول على جسد لدراسة التشريح، وقد اصطلح على تسمية هذه الجريمة التي لم تكن معروفة من قبل (خطف الأجساد) وقبل ذلك عُرفت جريمة (سرقة القبور)، حيث كانت الجريمة تقتصر على فتح قبور الأغنياء وسرقة المجوهرات التي كانوا يلبسونها. وبينما كان القانون يعاقب من يضبط في حوزته مجوهرات ميت ما، لم يكن يعاقب من يضبط وفي حوزته جسد ما. قبل انتشار مدارس علم التشريح لم يوجد تشريع يعاقب على المساس بأجساد الموتى، فلم يكن ثمة حافزاً أو داعياً لتلك الفعلة عدا الشذوذ الجنسي لدى بعض المرضى النفسيين الذين يمارسون الجنس مع الموتى فالاعتداء الجنسي على الموتى لم يكن يعد جريمة في الولايات المتحدة الأمريكية قبل عام .1965
في بداية القرن الثامن عشر كان بعض معلمي التشريح يشجعون طلابهم على اقتحام المقابر ونبش القبور لتزويد المدارس بالأجساد الضرورية للتعليم الطبي، وفي مدارس اسكتلندا كان الطالب يكافأ مقابل تزويد المدرسة بجسد متوفى بإعفائه من مصاريف الدراسة. وقد أدين الطبيب (ثوماس سيويل) عام 1818م بتهمة نبش قبر فتاة في مدينة ايبسويتش في ولاية (ماسوشوسيتس) لغرض دراسة التشريح؛ بالرغم من أنه عمل طبيباً شخصياً لثلاثة من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، وأنشأ كلية الطب التي صارت تدعى كلية طب جامعة جورج واشنطن.
وفي عام 1828 كان يعمل مع كليات الطب في لندن عشرة من خاطفي الأجساد بصفة دائمة خلال موسم التشريح (الذي كان يمتد خلال الأشهر الباردة من أكتوبر إلى مايو لتلافي التعفن الذي يصاحب الارتفاع في درجة حرارة الطقس). وكما كانت تستعين بأكثر من مائتين منهم بصفة مؤقتة. في تلك السنة تشير بعض الوثائق إلى أن عصابة من سبعة نابشي قبور تمكنوا من تزويد الدارسين بحوالي 312 جسداً، وكان إيراد كل منهم يصل إلى حوالي 1000 جنيه استرليني سنوياً.
وبالرغم من بشاعة هذه الفعلة ومخالفتها لكافة الأعراف والأخلاق، إلاّ أنها لم تكن تستعص على خاطفي الأجساد؛ الذين كان يمتهن أكثرهم حرفة حفر القبور أو المساعدة في أقسام التشريح، وبسبب المردود المادي الكبير لخطف الأجساد وبيعها، هجر معظمهم حرفته المشروعة وانهمك في هذا العمل غير المشروع. فإذا استخرجوا جسداً متحللاً وأدركوا عدم صلاحيته للبيع، ولكي لا يعودوا بخفي حنين، نزعوا أسنانه وباعوها لأطباء الأسنان الذين يستخدمونها في الأطقم الاصطناعية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram