المساء يرخي سدوله، والهاتف الأرضي الذي نادرا ما يقرع جرسه – بعد الاستعاضة بالإنترنيت والجوال –يرن، يرن، بلجاجة يرن.
--- أهلا...
--- مساء الخير، هل لي التحدث مع السيدة (....) ؟
--- أنا هي،، من المتكلم لطفا؟
--- صديق وزميل قديم ، ستعرفينني لاحقا بعد الموافقة والاتفاق!!
--- ها ؟ موافقة واتفاق على ماذا؟
--- نحن نفر من المخضرمين والشباب المستقلين، تداعينا لإصدار مطبوعة متميزة، وإطلاق قناة فضائية، وعهد إلي بالاتصال بك للمساهمة معنا، ما رأيك بالإشراف على صفحة التحقيقات التي برعت باختيارها في مجلة الف باء ؟
--- هل لي معرفة الاسم الكريم؟، وبالمناسبة: كيف اهتديت لرقم هاتفي الخاص؟
--- يا سيدة، هل نسيت إن رقم هاتفك وعنوانك ومقالاتك منقوشة على صفحات في الإنترنيت؟
--- هل اسمك سر الأسرار ؟
--- سأفصح لك عن اسمي وأسماء المؤسسين، ولكن ليس قبل أن تقولي نعم.
--- كيف أقول نعم لشبح.
--- أرجوك لست بشبح.. موافقة مبدئية منك، وسيزورك نفر من المؤسسين سأكون بينهم للاتفاق على التفاصيل،، ولا تنسي إن المكافأة جزلة.
تتملكني ضحكة:
--- مكافأة وجزلة؟ هذا ما يسيل له لعاب أي مفلس!!
--- ارجوك لا تهزئي، فالموضوع جاد لا يحتمل الهزل. موافقة شفهية مع وعد بالالتزام، فانا اعرف إنك لست ممن ينكث عهدا،
--- دعني افكر،،
--- لا داعي للتفكير، الهدف سامي صدقيني
--- أعطني رقم هاتفك، وسأتصل بك حالما أصل لقرار حاسم!
--- بل انا من سيتصل غدا مساء. ( يصفعني صوت إغلاق الخط : ررر.... رررررر.
طوال فترة المحادثة، كنت أضرب أخماسا بأسداس، ليس في الصوت نبرة خداع،، ها ؟ وما يدريني أن تكون المكالمة مقلبا، مشاكسة سمجة من زميل مشاكس؟ بالون اختبار؟ استدراج لفخ ؟
اللعنة، أهكذا يكون الاستدراج هينا بالتلويح بلحسة عسل؟ أهكذا تتشظى الكيانات وتتبعثر الجهود بوعود معسولة؟ أهكذا يكون الانسياق لمتطلبات العي والعشو والعمى كـ.. سمات للمرحلة المدلهمة الراهنة ؟ أهكذا تنحسر الثقة بالآخر، فيتربص الصديق بالصديق والعدو بالصديق والعدو بالعدو ؟ والمصلحة الشخصية هي القاسم المشترك الأعظم في معظم المساومات.
على ورقة تجاور الهاتف سجلت المكالمة، وكان إصرار المتحدث عل حجب اسمه ورفضه البوح برقم هاتفه مثار شك وريبة. أدير أرقاما خدمية لمعرفة رقم من اتصل، فيجيبني صوت أنثوي رقيق:
"المتصل حجب رقم هاتفه"!!
ها ؟!
[post-views]
نشر في: 25 أغسطس, 2013: 10:01 م