يكتنف الغموض ردود الفعل، والتداعيات الناجمة عن توجيه ضربة صاروخية غربية لقوات الأسد، إن ثبت استخدامها لسلاح كيماوي، خصوصاً مع تقرير منظمة أطباء بلا حدود، التي أكدت وفاة 355 شخصاً، ظهرت عليهم أعراض تسمم عصبي، وتحدثت عن آلاف الإصابات، مع وجوب التذكير بأن دمشق هددت بأن النتيجة ستكون تحول المنطقة إلى كرة من اللهب، فهل يعني ذلك أن سوريا ستطلق ترسانتها الصاروخية باتجاه اسرائيل، المتوقع أن يكون ردها مختلفا عن صمتها على صواريخ صدام حسين، وهل يمكن للنظام السوري خوض الحرب مع حلف الأطلسي، إن كان رده استهداف تركيا الأطلسية بصواريخه، أم أنه "سيستوطي" الحائط الأردني، رغم اجتماع قادة جيوش العديد من الدول الغربية والعربية على أرضه؟
كيف سيكون رد فعل إيران، التي اعترفت باستخدام الكيماوي واتهمت المعارضة بذلك، وهل تُعطي الضوء الأخضر لحزب الله بفتح جبهة الجنوب اللبناني ضد الدولة العبرية، إن كان قادراً في هذه المرحلة على ذلك، أم تأمرخلاياها النائمة في دول الخليج، بإثارة حروب أهلية صغيرة ومحدودة، لكنها كافية لاثارة المتاعب في وجه الأنظمة، وهل تملك موسكو الإمكانات والرغبة في اشعال فتيل حرب عالمية ثالثة، أم تكتفي بالتنديد والشجب، وعرقلة أي قرار يصدر عن مجلس الأمن، يبيح ويشرعن التدخل العسكري في سوريا، وتدّخر قوتها لمواجهة النتائج في جمهورياتها الإسلامية، المتطلعة للانفصال عن الإتحاد الروسي؟
مع كيماوي الغوطة، المجهول الأب حتى الآن، دخلت المُعضلة السورية مرحلة لاتشبه ما قبلها، حيث كان العالم يتعايش مع المذبحة المفتوحة، المستمرة منذ أكثر من عامين، شهدا مجازر جماعية، اتهم كل طرف الطرف الآخر بارتكابها، وتطور استخدام الأسلحة فيها، من الكلاشنكوف والهاون إلى المروحيات الطائرة، وصولاً الى الطيران الحربي، واستخدامه البراميل المتفجرة، ذلك أن صور جثث الضحايا، خصوصاً الأطفال، تخز ضمير العالم، الذي صحا على المشهد الأكثر إيلاماً وإدانة، وأدخل كل أطراف الأزمة مرحلةً شديدة الدقة، حتى أن النظام السوري وافق سريعا "بمقاييسه"، على تغيير وجهة المفتشين الدوليين، من خان العسل إلى المنطقة المنكوبة في الغوطة.
قبل كيماوي الغوطة، اعتمدت عواصم الغرب الكثير من المبررات، لعدم التورط في المستنقع السوري، وأهداها المتطرفون التكفيريون أعظم الهدايا، باعتمادهم عنفاً زائداً طاول مكونات المجتمع السوري، على أسس طائفية ضيقة، وقدمت جبهة النصرة تحديداً، هدية قيمة بإعلان تابعيتها لتنظيم القاعدة، حيث بات لزاماً على القادة الغربيين، عدم تزويد مناهضي الاسد بالأسلحة، خشية وقوعها بيد إرهابيي القاعدة، في حين لعب النظام ببراعة مشهودة، لعبة الحرب الأهلية، التي باتت حقيقة واقعة على الارض، وآنذاك لم يكن الرأي العام الغربي مسئتعداً لقبول التورط في سوريا، وتعذر "بحكم الفيتو الروسي الصيني" منح أي قوة غربية، شرعية القيام بعمل عسكري ضد النظام السوري.
بعد التفتيش في الغوطة، ستتغير الصورة مُجدداً، فإن ثبت استخدام النظام لأسلحته الكيماوية، فإن المطالبة بتفتيش كامل الأراضي السورية، ستكون واحدةً من النتائج، وسيكون على روسيا حينها، الخضوع لإرادة المجتمع الدولي، وإن لم يتم التدخل العسكري خلال أيام، فإن المجتمع الدولي سيكون قد وضع يده على ملف الكيماوي السوري، وستكون العقوبات جاهزةً، وأشدها تاثيراً على نظام الأسد، إجباره على حضور جنيف الثاني، ليقدم فيه تنازلات جوهرية بمباركة روسيا، التي لن تعادي العالم لسواد عيون الأسد.
اليوم التالي لصواريخ كروز
[post-views]
نشر في: 26 أغسطس, 2013: 10:01 م