لم تكن صحوة الإخوان مرتبطة بالثورة الشعبية ضد حكم مبارك، فقد بدأت مع خطاب الرئيس الأميركي في جامعة القاهرة، وفسّر البعض إسلامويته يومذاك بجذوره الإسلامية، مُتجاهلين ثقافته المسيحية الراسخة التي تقود خطاه. ارتفع منسوب شهوة السلطة عند الإخوان، مع شعورهم باطمئنان الغرب لمشروعهم، باعتباره الخطوة العملية الأولى نحو "الشرق الأوسط الجديد" الذي سينشأ كنتيجة حتميّة لسياسة الفوضى الخلاّقة، التي بشّرت بها مياسة القد السمراء كوندوليزا رايس، ورفع رايتها الإخوان، على أن تكون البداية من مصر، باعتبار حجمها وتأثيرها، مع تجاوز التجربة الحماسيّة في غزة، نتيجة ذيلية التنظيم هناك، ومحدودية تأثيره خارج جغرافيا القطاع، باستثناء العلاقة الخاصة مع إخوان الأردن، وهي محكومة باعتبارات متعددة، تمنع إمكانيّة اعتبارها تجربة رائدة.
لم تكن التجربة التركية مع حزب العدالة والتنمية، بعيدة عن ذهن المُخطط الاستراتيجي في واشنطن، بعد أن أثبت إسلاميو أردوغان الإمكانية الكبيرة للاعتماد عليهم في اللحظات الحرجة، وهكذا قامت الاستراتيجية الأميركية على قواعد توهّموها راسخة، فالمنطقة تخضع لأكثريّة إسلاميّة، وإن انقسمت على خلفيات طائفيّة ومذهبيّة، وفي مصر كان الإخوان جاهزين، بعد اجتماعاتهم المتكررة مع مسؤولين أميركيين كبار برعاية قطرية/ وهم ما إن تسنّموا السلطة، حتى كشف مندوبهم في قصر الإتحادية، العياط محمد مرسي، عن خدمته السابقة خبيراً في وكالة الفضاء «ناسا»، علماً بأنّ أميركا لاتأتمن غير عملائها على أسرار هذه الوكالة، وإذ شكّك البعض بهذه المعلومة، فإنّ تبنّيها دليل على وحدة الحال مع العم سام.
يأمل الإخوان اليوم أن يؤدي الضغط الأميركي والموقف الأوروبي إلى تعضيد موقفهم، لكن الواقع يُنبئ بأنّ عليهم الانتظار طويلاً، فرغم بقائهم في واجهة المشهد، يؤثرون فيه سلباً، فإنّ عودتهم إلى قصور الحكم مشروطة بانهيار الدولة، أو بتدخل خارجي عسكري، أو بانقلاب داخلي يطيح القُطبيين وجماعة بديع، قد تضغط أميركا وأوروبا، وسيؤدي ذلك حتماً للتأثير في حياة الناس، لكن الواضح أنّ هؤلاء على استعداد لدفع الثمن، مُقابل تخلصهم من حكم الإخوان، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، عندها ستكون واشنطن مع حلفائها الغربيين الخاسر الأكبر، خصوصاً إن قدّمت الدول العربية المناوئة للإخوان، الدعم اللاّزم للسلطة المصرية الجديدة.
في أُم الدنيا، أجبر ملايين المصريين ساكن البيت الأبيض على إدراك فشل رهاناته ، كانت ردة الفعل هناك متسرعةً وطفولية، حيث ألغى مناورات النجم الساطع المشتركة، وقدّم رشوة بائسة، بإبقائه على المساعدات المالية، في انتظار التطورات، وبموازاة ذلك بدأ الكونغرس والصحافة التمهيد لخطوات عدائية جديدة، بالضغط على البيت الأبيض، في حين باتت الجماعة أكثر إصراراً على مد الجسور إلى أميركا وأوروبا، غير أنّ الجيش المؤمن بموقفه الوطني، يُدرك أبعاد اللعبة، ويعرف أنّ التطورات الداخلية هي الأساس، ويسعى لمنع المتشبثين بسُلطة المرشد، من التحول إلى العمل السري العنيف، لأنّ ذلك يستدعي تدخلاً أوسع للولايات المتحدة وغيرها، ويُحوّل مصر إلى سوريا أخرى.
كشف الشعب المصري التطابق بين "إخوانهم" وتنظيم القاعدة، الذي انتصر لهم بشنه حرباً انتقامية ضد الشعب وكل مؤسسات الدولة، واستعادت ذاكرة المصريين اغتيال النقراشي باشا، ومحاولة اغتيال عبد الناصر، وكشفت الجماعة عن وجهها القبيح، حين استجارت بالضغط الدولي، أو التدخل العسكري الخارجي، والضغوط الاقتصاديّة والسياسيّة من الجهات الخارجيّة، لكن كلّ حماقات الإخوان، ومن يشد أزرهم في واشنطن والعواصم الغربية، لن تؤتي ثمارها، وسينتصر الشعب المصري، مدعوماً بجيشه الوطني، وسنردد معهم للمحروسة "الزمن شاب وانتي شابه .... هوّا رايح وانتي جايه"، وسيُدرك الأميركيون والغرب رياء مواقفهم، وهم يختارون الأكثر التصاقاً بسياساتهم، وليس الأكثر ديموقراطية.
الإخوان ورياء الغرب
[post-views]
نشر في: 27 أغسطس, 2013: 10:01 م